الأسباب والآلات ، وبين العلّة التامّة الّتي يعبّر عنها باستطاعة الفعل ، وإليك نصّ عبارته في « التّوحيد » :
« الأصل عندنا في المسمّى باسم القدرة أنّها على قسمين : أحدهما : « سلامة الأسباب وصحّة الآلات » وهي تتقدّم الأفعال ، وحقيقتها ليست بمجعولة للأفعال ، وإن كانت الأفعال لا تقوم إلاّ بها ، لكنّها نعم من الله أكرم بها من شاء ، والثاني : معنى لا يقدر على تبيّن حدِّه بشيء يصار إليه ، سوى أنّه ليس إلاّ للفعل لا يجوز وجوده بحال إلاّ ويقع به الفعل عندما يقع معه ».
ثمّ حاول تفسير كثير من الآيات الّتي استدلّوا بها على تقدّم الاستطاعة على الفعل ، بأنّ الاستطاعة الواردة فيها ، هي استطاعة الأسباب والأحوال لا استطاعة الفعل (١).
القدرة في مقابل « الايجاب ». فالثّاني لايصلح إلاّ للتعلّق بشيء واحد ، كالنّار بالنسبة إلى الإحراق ، وهذا بخلاف قدرة الانسان فإنّها يصحّ أن تتعلّق بالجلوس تارة ، والقيام اُخرى.
وما ذكره من التفصيل في تقدّم الاستطاعة على الفعل ، أو كونها معه ، يأتي في المقام أيضاً. فالقدرة الناقصة الّتي يعبّر عنها بقابليّة الفاعل واستعداده ، والّتي يعبِّر عنها الماتريدي بصحّة الأسباب والآلات ، صالحة للضدّين.
وأمّا إذا وصل إلى حدّ وجب معه الفعل ، فحينئذ تكون القدرة أحديّة التعلّق ، لاتصلح إلاّ بشيء واحد. وقد نقل شارح ( المواقف ) كلاماً عن الرازي يعرب عن كون النزاع بين الطرفين لفظيّا (٢). وهو خيرة الماتريدي أيضاً حيث قال : « ثمّ اختلف أهل
__________________
١ ـ التوحيد : ص ٢٥٦ ـ ٢٥٧.
٢ ـ شرح المواقف : ج ٨ ص ١٥٤.