كانت الخلافة العبّاسية تؤازرهم وتؤيّدهم ، خرجوا عن منهجهم السّابق ـ منهج الحرّيّة في الرأي والتفكّر ـ وسلكوا في هذه المسألة مسلك الضّغط. فطفقوا يحملون النّاس على عقيدتهم ( خلق القرآن ) بالقوّة والاكراه ، فمن خالفهم ولم يقرّ به يحكم عليه بالحبس تارة والضّرب أُخرى. وأوجد ذلك في حياتهم العلميّة نقطة سوداء ، وسيوافيك تفصيل حمل الناس على اعتناق عقيدتهم في هذا المجال في فصل خاصّ.
هذا من جانب ومن جانب آخر ، لمّا أخذ أحمد بن حنبل في هذا المجال موقف الصّمود والثّبات في عقيدته صار بطلاً في حياته ، وبعدها يضرب به المثل في الصّمود على العقيدة ، وقد استبطلته المعتزلة وصار إماماً في عقائد أهل السنّة بصموده في طريق عقيدته. ولإيضاح الحقّ نرسم اُموراً :
١ ـ مسلك أهل الحديث
إنّ مسلك أهل الحديث في اتّخاذ العقيدة في مسائل الدّين هو اقتفاء كتاب الله وسنّة رسوله. فما جاء فيها يؤخذ به وما لم يجئ فيها يسكت عنه ولا يبحث فيه ، ولأجل ذلك كان أهل الحديث يحرِّمون علم الكلام ، ويمنعون البحث عن كلِّ ما ليس وارداً في الكتاب والسنّة.
وعلى ضوء هذا كان اللازم على أهل الحديث السّكوت وعدم النّبس ببنت شفة في هذه المسألة ، لأنّ البحث فيها حرام على اُصولهم ، سواء أكان الموقف هو قدم القرآن أم حدوثه ، لأنّه لم يرد فيه نصّ عن رسول الله ، ولا عن أصحابه ، ومع الأسف كان موقفهم ـ وفي مقدّمهم أحمد بن حنبل ـ موقف الايجاب وتكفير المخالف.
يقول الإمام أحمد بن حنبل في كتاب « السنّة » : « والقرآن كلام الله ليس بمخلوق ، فمن زعم أنّ القرآن مخلوق فهو جهميّ كافر ، ومن زعم أنّ القرآن كلام الله عزّوجلّ ووقف ولم يقل مخلوق ولا غير مخلوق فهو أخبث من الأوّل ، ومن زعم أنّ ألفاظنا بالقرآن وتلاوتنا له مخلوقة والقرآن كلام اللّه ، فهو جهمي ، ومن لم يكفِّر هؤلاء القوم كلّهم فهو