جَهْدَ أَيْمانِهِم إنَّهُم لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُم فَأَصْبَحُوا خَاسِرينَ ) ( سورة المائدة : الآية ٥٣ ). « أي ضاعت أَعمالهم الّتي عملوها لأنّهم أَوقعوها على خلاف الوجه المأمور به ، وبَطَلَماأظهروه من الإِيمان ، لأنّه لم يوافق باطنُهم ظاهرَهُم ، فلم يستحقّوا به الثّواب »(١).
وبما ذكره الطبرسي يظهر جواب سؤال آخر ، وهو أنّه إذا كان الاستحقاق مشروطاً بعدم صدور العصيان ، فإذا صدر يكشف عن عدم الإستحقاق أبداً ، فكيف يطلق عليه الإِحباط ، وما الإحباط إلاّ الإِبطال والإسقاط ، ولم يكن هناك شيء حتّى يبطل أو يسقط؟
وذلك لأنّ نفس العمل في الظّاهر سبب ومقتض ، فالإبطال والإسقاط كما يصدقان مع وجود العلّة التامّة ، فهكذا يصدقان مع وجود جزء العلّة وسببها ومقتضيها ، وهذا كمن ملك أَرضاً صالحة للزراعة فأَحدث فيها ما أفقدها هذه الصّلاحيّة.
وبعبارة أُخرى ، إنّ الموت على الكفر ، وإن كان يُبطل ثواب جميع الأعمال ، لكن ليس هذا بالإحباط ، بل بشترط الموافاة على الإِيمان في استحقاق الثّواب على القول بالاستحقاق. أو في إنجاز الوعد بالثّواب على القول بعدم الاستحقاق. وهكذا القول في المعاصي الّتي ورد أنّها حابطة لبعض الحسنات من غير قول بالحبط ، بل يكون الإستحقاق أَو الوعد مشروطاً بعدم صدور تلك المعصية.
والّذي يبدو لنا من هذه الكلمات إنّ النّزاع بين نافي الاحباط ومثبته في هذه الموارد الخاصّة ، أشبه بنزاع لفظي ، لأنّهما متّفقان على النّتيجة وهي عدم ترتّب الثّواب على الإيمان والأعمال الحسنة إذا لحقها الكفر أو بعض الكبائر ، غير أنّ النافي يقول بأنّه لم يكن هناك ثواب فعليّ حتّى يحبطه الكفر أو بعض الكبائر ، لأنّ ترتّب الثّواب أو الاستحقاق كان مشروطاً بشرط غير حاصل ، والمثبت له يقول بوجوده فعلاً ، لكنّه يسقط
__________________
١ ـ مجمع البيان : ج ٢، ص ٢٠٧.