الطّاعات والكبائر ، كما يشاهد من النّاس ، فعندنا مآله إلى الجنّة ولو بعد النّار ، واستحقاقه للثّواب والعقاب ، بمقتضى الوعد والوعيد من غير حبوط. والمشهور من مذهب المعتزلة أنّه من أهل الخلود في النّار إذا مات قبل التّوبة ، فأشكل عليهم الأمر في إيمانه وطاعته وما يثبت من استحقاقاته ، أين طارت؟ وكيف زالت؟ فقالوا بحبوط الطّاعات ، ومالوا إلى أنّ السيّئات يذهبن الحسنات » (١).
أقول : اشتهر بين المتكلّمين أنّ المعتزلة يقولون بالإحباط والتّكفير ، وأمّا الأشاعرة والإماميّة فهم يذهبون إلى خلافهم. غير أنّ هنا مشكلة وهي أنّ نفيهما على الاطلاق يخالف ما هو مسلّم عند المسلمين من أنّ الإيمان يُكفِّر الكفر ، ويُدخل المؤمن الجنّة خالداً فيها ، وأنّ الكفر يُحبط الإيمان ويخلِّد الكافر في النار. وهذا النّوع من الإحباط والتّكفير ممّا أصفقت عليه الاُمّة ، ومع ذلك كيف يمكن نفيهما في مذهب الأشاعرة والإماميّة؟ ولأجل ذلك ، يجب الدقّة في فهم مرادهما من نفيهما على الاطلاق ، وسوف يتبيّن الحال في هذين المجالين. هذا ، وإنّ القائلين بالإحباط اختلفوا في كيفيّته ، فمنهم من قال بأنّ الإساءة الكثيرة تسقط الحسنات القليلة ، وتمحوها بالكليّة ، من دون أن يكون لها تأثير في تقليل الإساءة ، وهو المحكيّ عن أبي عليّ الجبّائي.
ومنهم من قال بأنّ الإحسان القليل يسقط بالإساءة الكثيرة ، ولكنّه يؤثّر في تقليل الإساءة فينقص الإحسان من الاساءة ، فيجزى العبد بالمقدار الباقي بعد التّنقيص، وهو المنسوب إلى أبي هاشم.
وهناك قول آخر في الإحباط وهو عجيب جدّاً ، حكاه التّفتازاني في « شرح المقاصد » وهو أنّ الإساءة المتأخِّرة تحبط جميع الطّاعات وإن كانت الإساءة أقلّ منها قال : حتّى ذهب الجمهور منهم إلى أنّ الكبيرة الواحدة تحبط ثواب جميع العبادات.
وعلى هذا (٢) ففي الإحباط أقوال ثلاثة :
__________________
١ ـ شرح المقاصد : ج ٢، ص ٢٣٢.
٢ ـ شرح المقاصد : ج ٢، ص ٢٣٢.