أهل النجاة وغيرهم من أهل النار ، ويكون الإيمان منوطاً بالإذعان به ، وعدم الإيمان موجباً للخروج عنها ، بل أقصى ما يقال في حقّ هذه الاُصول أنّها اُصول حقّة صحيحة دلّ على صحّتها الدليل ، ولكن ليس كلّ حقّ ممّا يجب الإذعان به أو يؤاخذ على عدم الاعتقاد به.
هذا هو الشيخ أبو جعفر الطحاوي المصري ( م ٣٢١ ) كتب رسالة حول عقيدة أهل السنّة تشتمل على مائة وخمسة اُصول زعم أنّها عقيدة الجماعة والسنّة على مذهب فقهاء الاُمّة : أبي حنيفة ، وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري ، وأبي عبدالله محمّد ابن الحسن الشيباني (١) وقد كتب على هذه الرسالة شروح وتعاليق ، واحتلّت مكانها ـ بعد زمن ـ « العقائد النسفية ». واللأسف أنّ كلّ أصل من الكتابين ردّ على فرقة وملّة. فصارت الاُصول الإسلاميّة عبارة عن عدّة اُصول يرد بكلِّ أصل ملّة ونحلة ، كالملاحدة والمجبِّرة والقدرية والرافضة من الفرق الكلامية الّتي أنجبتها الأبحاث والتيّارات الفكرية.
ثم إنّي وقفت بعد ما حرّرته على ما نقلته المستشرقة « سوسنه ديفلد » محقّقة كتاب « طبقات المعتزلة » لابن المرتضى عن الاُستاذ « هـ. ريتر » : « من أراد أن يفهم إحدى العقائد السنّية فعليه أن يستحضر في خاطره أنّ كلّ جملة منها إنّما هي ردّ على إحدى الفرق المخالفة لها من الشيعة والخوارج والمرجئة والجهمية والمعتزلة ، ولقد تشكّلت عقيدة أهل السنّة بردّ الفرق الضاّلة الّتي لم تسمّ « ضالّة » إلاّ بعد غلبة أصحاب السنّة والجماعة » (٢).
فواجب على الباحث المنصف الّذي يبتغي الحقيقة ، التفكيك بين اُصول الدين والاُصول الكلامية. وعند ذلك تحصل الوحدة بين الاُمّة أو تقرّب الخطى بين الفرق ، ويقلّ التشاحّ والنزاع المؤدّي إلى الهلاك.
إذا عرفت هذه الاُمور فلنأخذ بتفصيل الاُصول الخمسة واحداً بعد آخر :
__________________
١ ـ شرح العقائد الطحاوية : ص ٢٥.
٢ ـ طبقات المعتزلة لابن المرتضى : المقدمة. ط بيروت.