وسمها به من العجز على قدرته ، وبما اضطرها إليه من الفناء على دوامه ، لم يخل منه مكان فيدرك بأينية ، ولاله شبح مثال فيوصف بكيفية ، ولم يغب عن شئ فيعلم بحيثية مبائن لجميع ما أحدث في الصفات ، وممتنع عن الادراك بما ابتدع من تصريف الذوات ، وخارج بالكبرياء والعظمة من جميع تصرف الحالات ، محرم على بوارع ناقبات الفطن تحديده ، وعلى عوامق ثاقبات الفكر تكييفه ، وعلى غوائص سابحات النظر تصويره ، لا تحويه الاماكن لعظمته ، ولا تذرعه المقادير لجلاله ، ولا تقطعه المقائيس لكبريائه ، ممتنع عن الاوهام أن تكتنهه ، وعن الافهام أن تستغرقه ، وعن الاذهان أن تمتثله ، وقد يئست من استنباط الاحاطة به طوامح العقول ، ونضبت عن الاشارة إليه بالاكتناه بحار العلوم ، ورجعت بالصغر عن السمو إلى وصف قدرته لطائف الخصوم ، واحد لامن عدد ، ودائم لابأمد ، وقائم لابعمد ، وليس بجنس فتعادله الاجناس ، ولا بشبح فتضارعه الاشباح ، ولاكالاشياء فتقع عليه الصفات ، قد ضلت العقول في أمواج تيار إدراكه ، و تحيرت الاوهام عن إحاطة ذكر أزليته ، وحصرت الافهام عن استشعار وصف قدرته ، وغرقت الاذهان في لجج أفلاك ملكوته ، مقتدر بالآلاء ، وممتنع بالكبرياء ، ومتملك على الاشياء ، فلادهر يخلقه ، ولاوصف يحيط به ، قد خضعت له رواتب الصعاب في محل تخوم قرارها ، واذعنت له رواصن الاسباب في منتهى شواهق أقطارها ، مستشهد بكلية الاجناس على ربوبيته ، وبعجزها على قدرته ، وبفطورها على قدمته ، وبزوالها على بقائه ، فلالها محيص عن إدراكه إياها ، ولا خروج من إحاطته بها ، ولا احتجاب عن إحصائه لها ، ولا امتناع من قدرته عليها ، كفى بإتقان الصنع لها آية ، وبمركب الطبع عليها دلالة ، وبحدوث الفطر عليها قدمة ، وبأحكام الصنعة لها عبرة ، فلا إليه حد منسوب ، ولا له مثل مضروب ، ولاشئ عنه بمحجوب ، تعالى عن ضرب الامثال والصفات المخلوقة علوا كبيرا ، وأشهد أن لا إله إلا هو إيمانا بربوبيته ، وخلافا على من أنكره ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، المقر في خير مستقر ، المتناسخ من أكلام الاصلاب ومطهرات الارحام ، المخرج من أكرم المعادن محتدا ، وأفضل المنابت منبتا ، من أمنع ذروة (١) و
___________________
(١) «أمنع» من منع جاره أى حامى عنه وصانه من أن يضام ، أو من منع الحصن أى تعسر الوصول