في حياته ، ومضى عن ميعاد رجوعه إلى قومه أيّاماً قلائل أغواهم السّامري فاجتمع عامّتهم ـ قيل : هم ستّمائة ألف نفس (١) ـ على عبادة العجل ، وتركوا إطاعة هارون إلاّ قوم قليل ، قيل : كانوا اثني عشر ألف (٢) ، وكان هذا الاختلاف بينهم إلى أن رجع موسى عليهالسلام وظهر الحقّ من الباطل .
وكذا لمّا دعاهم موسى عليهالسلام إلى قتال العمالقة واختلفوا وأجمعوا ـ ما سوى هارون ويوشع وكالوب وقليل ممّن معهم ـ على مخالفة موسى عليهالسلام وترك المحاربة ؛ ولهذا وقعوا في التيه أربعين سنة .
ثمّ لمّا مات موسى عليهالسلام وأوصى ـ كما مرّ ـ إلى يوشع بن نون وأمرهم بعدم مخالفته ما دام حيّاً ، ثمّ إطاعة أولاد هارون اختلفوا أيضاً ، فبقي شرذمة قليلة على ما أمر به موسى عليهالسلام من التمسّك بيوشع والأوصياء بعده من بني هارون عليهالسلام ، كان يقال لهم : الهارونيّون والكَهنة ؛ لاطّلاعهم على العلوم الإلـهيّة ، واجتمع الباقون على إدخال غيره في أمره بآرائهم ، فشوّشوا عليه أمره ، بحيث لم يتمكّن من (٣) جمعهم على التوراة ، حتّى تفرّقوا بمرور الأيّام على مذاهب شتّى .
بل خرج عليه بعضهم وأخرج معه صفوراء بنت شعيب زوجة موسى عليهالسلام ، وضاعت من بينهم أسفار التوراة وما في الألواح وغيرها ، حتّى أنّهم صرّحوا بأنّ هذه التوراة التي في أيديهم من بعض محفوظات رجل من ولد هارون ، وقيل : إنّه عزير ، وقيل غيره ، وأنّها ليست كتاب اللّه ، بل وقع
__________________
(١) انظر : تفسير الإمام العسكري عليهالسلام : ٢٥٥ / ١٢٤ ، قصص الأنبياء للراوندي ١٧٠ ـ ١٧١ / ١٩٧ .
(٢) مجمع البيان ١ : ١١٣ .
(٣) في «س» و«م» و«ن» : «على» .