لذلك نوع بني الإنسان شرع في إغواء كلٌّ بما يناسب قبوله من أنواع العصيان ؛ ولهذا لمّا كان الأنسب بحال أهل العقل والعلم الدخول عليهم من باب العلم ، زرع في قلوبهم من بذور شُبهه المتقدّمة أنواع الشبه والضلالات ، وفتح لهم أبواب الآراء والقياسات ، فأهلك بذلك بها كافّة بني آدم إلاّ قليلاً ممّن نجا باقتفاء آثار الأنبياء ؛ ضرورة متابعة العوامّ للخواصّ والكبراء ، وعسر قبول الحقّ حتّى على العلماء ، فصار الناس من هذه الجهة على آراء عديدة مختلفة وأهواء شتيتة متفاوتة ، لكنّ جملتها من سنخ الغواية التي ضلّ بها الشيطان الذي هو أوّلهم ، المعلّم لهم ، وعلى شكل نتائجها وشعبها التي أشرنا إليها .
فمنهم الأكثرون الذين أبوا عن قبول أمر اللّه في أصل إطاعة الأنبياء على حذو أصل قياس إبليس ـ كما مرّ مجملاً ويأتي مفصّلاً ـ فإنّهم أيضاً لم يتوجّهوا إلى حقيقة وجوه تفاضل الأنبياء والأوصياء عليهم من العلم والكمالات التي خصّهم اللّه بها ، بل نظروا إلى ظاهر الاشتراك في البشريّة ، بل إلى تفوّقهم أيضاً بحسب الزخارف الدنيويّة ، مع أنّه لم يكن عليهم غير قبول أمر اللّه فيهم بالتسليم للأنبياء وأوصيائهم ، بعد ظهور صدقهم بما خصّهم اللّه به من المعجزات وغيرها بعين ما مرّ في شبهة الشيطان ، وما صدر منه بها من القياس والعصيان طابق النعل بالنعل ، فتأمّل تفهم .
ثمّ منهم من ذكره الشهرستاني أيضاً من أصحاب الملل قديماً وحديثاً ، فإنّ ما سوى الفِرَق التي ذكرنا إنكارهم نبوّة الأنبياء ، فمن حيث إنّهم قبلوا أمر اللّه في أصل طاعة الأنبياء ولم يعبأوا بمادّة شبهة أصل قياس الشيطان ـ حيث أبصروا فضائلهم وعرفوا خصائصهم ـ رماهم الشيطان في ضلالة بعض شُعب أصل شبهته ؛ لأنّه لمّا حكم أوّلاً بالعقل على اللّه الذي