اختلفتم وأنا بين أظهركم ، وأنتم بعدي أشدّ اختلافاً» (١) .
وقال يهوديّ لعليّ عليهالسلام : ما دفنتم نبيّكم حتّى اختلفتم؟ فقال له : «إنّما اختلفنا عنه لا فيه ، ولكنّكم ما جفّت أرجلكم من (ماء) (٢) البحر حتّى قُلتم لنبيّكم : ( اجْعَلْ لَنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ) (٣) » (٤) الخبر .
والأخبار في ذمّ الاختلاف والتفرّق ، وضلالته ، وأنّه كان سابقاً ويكون في هذه الاُمّة ، كثيرة ـ وسيأتي بعضها في الفصل الآتي وغيره ، سوى ما سبق في الفصول السابقة أيضاً ـ وصراحة أكثرها في كون المراد الاختلاف في المسائل الدينيّة والأحكام الشرعيّة وغيرها واضحة ؛ بحيث لا يمكن تخصيصها بالاختلاف في الآراء والحروب ، كما زعمه بعض الجاهلين فحمل عليه بعض الآيات ، وتوهّم أنّه يجري في غيره أيضاً ، وسخافته كما ترى .
لكن من أعجب الغرائب ، وأفضح الفضائح ما تشبّث به عامّة علماء المخالفين ممّا هو أوهن من بيت العنكبوت في مقابل هذه الآيات والروايات كلّها ، بل وغيرها أيضاً ، بمحض أنّهم رأوا أنفسهم واقعين في مخمصة الاختلاف ؛ بحيث (٥) لا منجى لهم منه إلاّ بالقول بما لا يقولون به ، فإنّهم لمّا تركوا بعد رحلة رسول اللّه صلىاللهعليهوآله التزام متابعة عليّ وذرّيّته عليهمالسلام الأوصياء العلماء من اللّه ورسوله صلىاللهعليهوآله ـ كما سيظهر ـ فلم يجدوا من الكتاب والسنّة المتداولة بينهم إلاّ أحكاماً قلائل ، فألزمهم ذلك إلى أن وضعوا من عند أنفسهم ، وبحسب تحسين عقولهم ، واقتضاء آرائهم قواعد لاستنباط
__________________
(١) الاستيعاب ١ : ٣٩٨ .
(٢) ما بين القوسين أثبتناه من «م» .
(٣) سورة الأعراف ٧ : ١٣٨ .
(٤) نهج البلاغة : ٥٣١ / ٣٧١ (غريب كلامه عليهالسلام ) .
(٥) في «ش» زيادة : أن .