وغيرهم ممّن لا حاجة إلى ذكره ، كما حكى اللّه عزوجل مراراً أنّهم قالوا : ( إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ) (١) .
قال : ومنهم من ترقّى عن المحسوس وأثبت المعقول لكن لا يقول بحدود وأحكام وشريعة وإسلام ، بل يزعم أنّه إذا حصل المعقول وثبت أنّ للعالم مبدأً ومعاداً ، فيكون سعادته على قدر إحاطته وعلمه ، وشقاوته بقدر سفاهته وجهله ، وأنّ عقله هو المستبدّ بتحصيل هذه السعادة ، ووضعه هو المستعدّ لقبول تلك الشقاوة .
قال : وعند بعض منهم أنّ الشرائع وإن وردت فإنّما هي اُمور مصلحيّة عامّية ، وأنّ الحدود والأحكام والحلال والحرام اُمور وضعيّة ، وأنّ فيهم من يقول بحدود وأحكام عقليّة ، قال : وهم الفلاسفة الإلهيّون (٢) وأشباههم من فِرَق الكفر ، كبعض التناسخيّة ، والبراهمة والصابئة والمشركين وغيرهم .
وقد أشرنا في آخر الفصل الأخير من الباب السابق إلى بعض ما زعموه مستنداً لهم في ترك متابعة الأنبياء مع جوابه ، حتّى قال بعضهم : إنّ العقل قد دلّ على وجود صانع حكيم ، وإنّ الحكيم لا يتعبّد الخلق بما يقبح في العقول ، وقد ورد أصحاب الشرائع بمستقبحات من حيث العقل من الطواف حول الأحجار ، وتقبيل الحجر ، ورمي الجمار وغير ذلك (٣) ممّا ذكروه ، وأنّه دليل على كذبهم وجهلهم ، وقد مرّ فيما أشرنا إليه من الفصل المذكور ما هو جوابه .
وبالجملة : هؤلاء بأسرهم من تلامذة الشيطان من أصل أساس
__________________
(١) سورة المؤمنون ٢٣ : ٣٧ .
(٢) الملل والنحل للشهرستاني ٢ : ٣ .
(٣) الملل والنحل للشهرستاني ٢ : ٢٥١ .