إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (٣٣) (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ) في جزئياتهما لأن بعضهما فوق بعض (ادْفَعْ) السيئة (بِالَّتِي) أي بالخصلة التي (هِيَ أَحْسَنُ) كالغضب بالصبر ، والجهل بالحلم ، والإساءة بالعفو (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (٣٤) أي فصير عدوك كالصديق القريب في محبته إذا فعلت ذلك ، فالذي مبتدأ ، وكأنه الخبر ، وإذا ظرف لمعنى التشبيه (وَما
____________________________________
على الله مقاله ، وقال بعضهم :
أتنهي الناس ولا تنتهي |
|
متى تلحق القوم يا لكع |
ويا حجر السن ما تستحي |
|
تسن الحديد ولا تقطع |
فمن لم يؤثر كلامه في نفسه ، فلا يؤثر في غيره بالأولى. قال بعضهم :
يا أيها الرجل المعلم غيره |
|
هلا لنفسك كان ذا التعليم |
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنا |
|
كيما يصح به وأنت سقيم |
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها |
|
فإذا أنتهت عنه فأنت حكيم |
فهناك يسمع ما تقول ويشتفى |
|
بالقول منك وينفع التعليم |
لا تنه عن خلق وتأتي مثله |
|
عار عليك إذا فعلت عظيم |
وبالجملة ، فالدعوة إلى الله لا تنفع إلا من قلب ناصح ، وأعظم الداعين إلى الله تعالى الأولياء المسلكون ، الذين يوصلون الخلق إلى طريق الحق ، وهم موجودون في كل زمن ، غير أنه لا يجتمع بهم ولا يعرفهم ، إلا من لحظه الله تعالى بفضله ، كما قال بعض العارفين : الأولياء عرائس مخدرة ، ولا يرى العرائس المجرمون ، نفعنا الله بهم أجمعين. قوله : (وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أي تحدثا بنعمة ربه ، وفرحا بالإسلام. قوله : (وَلَا السَّيِّئَةُ) يحتمل أن (لا) زائدة للتوكيد ، لأن الاستواء لا يكون من واحد ، بل من اثنين ، كأنه قال : لا تستوي الحسنة مع السيئة ، بل الحسنة خير ، والسيئة شر ، ويحتمل أن (لا) أصلية ، والمعنى : لا تستوي مراتب الحسنات ، بل بعضها أعلى من بعض ، ولا تستوي مراتب السيئات ، بل بعضها أعلى من بعض ، فأعلى الناس من ارتكب أعلى الحسنات ، وأدنى الناس من ارتكب أعلى السيئات ، وهذا ما مشى عليه المفسر. قوله : (بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) أي حيث فعلت معك سيئة ، ادفعها بخصلة هي أحسن. قوله : (كالغضب بالصبر) إلخ ، أي أعلى مراتب أن تعطي من حرمك ، وتصل من قطعك ، وتعفو عمن ظلمك ، وقد كان هذا خلق رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
قوله : (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ) إلخ. (إذا) فجائية ظرف لمعنى التشبيه ، فعاملها معنوي مؤخر ، واغتفر تأخير عاملها المعنوي ، لأنه يغتفر في الظروف ما لا يغتفر في غيرها ؛ و (الَّذِي) مبتدأ و (بَيْنَكَ) خبر مقدم ، و (عَداوَةٌ) مبتدأ مؤخر ، والجملة صلة الموصول ، و (كَأَنَّهُ) إلخ ، خبر الموصول ، والمعنى : فإذا فعلت مع عدوك ما ذكر ، فاجأك في الحضرة انقلابه وصيرورته مشابها في المحبة للصديق الذي لم تسبق منه عداوة. قوله : (كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) الحميم يطلق على الماء الحار ، وعلى القريب الذي تهتم لأمره ، وهو المراد هنا. قوله : (فيصير عدوك كالصديق القريب) هذا تفسير لمعنى الولي الحميم ، فالولي القريب والحميم القريب الصديق فهو أخص من الولي ، قال بعضهم في وصفه :