الذي أهلكهم (إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ) أي مقبلين عليهم ومدبرين عنهم فكفروا كما سيأتي ، والإهلاك في زمنه فقط «أن» أي بأن (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ) علينا (مَلائِكَةً فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ) على زعمكم (كافِرُونَ) (١٤) (فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا) لما خوفوا بالعذاب (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) أي لا أحد ، كان واحدهم يقلع الصخرة العظيمة من الجبل يجعلها حيث يشاء (أَوَلَمْ يَرَوْا) يعلموا (أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا) المعجزات (يَجْحَدُونَ) (١٥) (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً)
____________________________________
الصيحة التي يحصل بها الهلاك ، أو قطعة نار تنزل من السماء معها رعد شديد ، والمراد هنا العذاب المهلك ، وقرىء شذوذا صعقة بغير ألف مع سكون العين في الموضعين ، وقوله : (مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) التشبيه في مطلق الهلاك ، وإن كان هلاك عاد وثمود عاما ، وهلاك هذه الأمة خاص ببعض أفرادهم ، فهو تشبيه جزئي بكلي ، وبهذا اندفع ما قد يقال : إن العذاب العام لا يأتي لهذه الأمة ، لما ورد في الأحاديث الصحيحة من أمن الأمة من ذلك. وأجيب أيضا : بأنه لا يلزم من التخويف الحصول بالفعل ، وحينئذ فالمعنى : أنتم ارتكبتم أمورا تستحقون عليها ما نزل بعاد وثمود.
قوله : (إِذْ جاءَتْهُمُ) ظرف لصاعقة الثانية ، والمعنى : صعقتهم وقت مجيء رسلهم إليهم ، والضمير في (جاءَتْهُمُ) عائد على (عادٍ وَثَمُودَ) وقوله : (الرُّسُلُ) المراد بهم هود وصالح ومن قبلهما من الرسل وهم نوح وادريس وشيث وآدم ، لكن مجيء هود وصالح لهاتين القبيلتين حقيقي ، ومجيء من قبلهما لهاتين القبيلتين باعتبار اللازم ، لأن كل رسول قد جاء بالتوحيد ، وتكذيب واحد تكذيب للجميع. قوله : (أي مقبلين عليهم) أي وهم هود وصالح ، وقوله : (ومدبرين عنهم) أي وهم الرسل الذين تقدموا على هود وصالح ، وهو لف ونشر مرتب.
قوله : (أَلَّا تَعْبُدُوا) إلخ ، يصح أن تكون «أن» مخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن أو مصدرية أو تفسيرية ، وكلام المفسر يشير للمعنيين الأولين ، حيث قدر الياء و «لا» ناهية في الأوجة الثلاثة ، ويصح أن تكون نافية أيضا في الوجه الثاني ، والفعل منصوب بأن ، حذفت منه النون للناصب ، و «لا» النافية لا تمنع عمل «أن» في الفعل. قوله : (قالُوا) أي عاد وثمود لهود وصالح. قوله : (لَوْ شاءَ رَبُّنا) أي انزال ملائكته بالرسالة ، فمفعول (شاءَ) محذوف. والمعنى : لو شاء ربنا ارسال رسول ، لجعله ملكا لا بشرا ، وهذا توصل منهم لإنكار الرسالة ، لزعمهم أنها لا تكون للبشر. قوله : (على زعمكم) أي وإلا فهم ينكرون رسالتهما.
قوله : (فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ) أي تعظموا على أهلها واستعلوا فيها ، وهذا شروع في حكاية ما يخص كل طائفة من القبائح والعذاب ، بعد الإجمال في كفرهم. قوله : (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) أي فنحن نقدر على دفع العذاب على أنفسنا بقوتنا. قال ابن عباس : إن أطولهم كان مائة ذارع ، وأقصرهم كان ستين ذراعا. قوله : (يجعلها) أي يضعها حيث شاء. قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا) إلخ ، هذا الجملة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه ، خوطب بها النبي صلىاللهعليهوسلم للتعجيب من مقالتهم الشنيعة ، والهمزة داخلة على محذوف ، والواو عاطفة عليه ، والتقدير : أيقولون ذلك ولم يروا؟ قوله : (وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ) ضمنه