تبعة (وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ) (٤١) (تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ) الغالب على أمره (الْغَفَّارِ) (٤٢) لمن تاب (لا جَرَمَ) حقا (أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) لأعبده (لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ) أي استجابة دعوة (فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا) مرجعنا (إِلَى اللهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ) الكافرين (هُمْ أَصْحابُ النَّارِ) (٤٣) (فَسَتَذْكُرُونَ) إذا عاينتم العذاب (ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) (٤٤) قال ذلك لما توعدوه بمخالفته دينهم (فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا) به من القتل (وَحاقَ) نزل (بِآلِ فِرْعَوْنَ) قومه معه (سُوءُ الْعَذابِ) (٤٥) الغرق ثم (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها) يحرقون بها (غُدُوًّا وَعَشِيًّا)
____________________________________
فإذا تم الحساب ، تفضل الله على عباده ، بما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر. قوله : (بلا تبعة) أي فرزق أهل الجنة لا يتوقف على دفع ثمن ، بل يتنعمون نعيما خاليا من العلل ، صافيا من الكدر ، جعلنا الله من أهل الجنة بمنه وكرمه.
قوله : (وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ) الخ ، أتى بالواو في النداء الأول والثالث ، لأنه كلام مستقل مستأنف ، وتركها من الثاني لأنه من تعلقات الكلام الأول ، والعطف يقتضي المغايرة ، وقوله : (ما لِي) أي أي شيء ثبت لي ، فما مبتدأ ، والجار والمجرور خبر عنه ، وقوله : (أَدْعُوكُمْ) حال ، والاستفهام للتعجب ، ومحط العجب هو قوله : (وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ) كأنه قال : أعجب من هذه الحال ، أدعوكم إلى النجاة والخير ، وتدعونني إلى النار والشر. قوله : (تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ) الخ ، هذا بدل من قوله : (تَدْعُونَنِي) الأول ، بدل مفصل من مجمل. قوله : (ما لَيْسَ لِي بِهِ) أي بوجوده ، والمراد نفي المعلوم من أصله. قوله : (وَأَنَا أَدْعُوكُمْ) راجع لقوله : (أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ). قوله : (إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ) أي إلى عبادته ، وامتثال أوامره ، واجتناب نواهيه.
قوله : (لا جَرَمَ لا) نافية ، و (جَرَمَ) فعل ماض بمعنى حق ، وقوله : (أَنَّما تَدْعُونَنِي) فاعله ، والمعنى حق ووجب عدم استجابة دعوة آلهتكم. قوله : (حقا) مفعول لمحذوف دل عليه (لا جَرَمَ) والمعنى حق ما تدعونني إليه حقا ، وهي كلمة في الأصل بمنزلة لا بد ، ثم تحولت إلى معنى القسم. قوله : (أَنَّما تَدْعُونَنِي) ما اسم موصول ، فحقها أن تفصل من النون ، وإنما وصلت بها تبعا للمصحف. قوله : (أي استجابة دعوة) أي لا شفاعة لها دنيا ولا أخرى ، وقيل : المعنى ليست له دعوة إلى عبادته ، لأن الأصنام لا تدعي الربوبية ، ولا تدعو إلى عبادة نفسها ، وفي الآخرة تتبرأ من عبادها. قوله : (ما أَقُولُ لَكُمْ) أي من النصيحة. قوله : (توعدوه) أي ففر هاربا إلى جبل ، فأرسل فرعون خلفه ألفا ليقتلوه ، فوجدوه يصلي والوحوش صفوف حوله ، فأكلت السباع بعضهم ، ورجع بعضهم هاربا ، فقتله فرعون.
قوله : (فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا) أي شدائد مكرهم ، وقد نجى الله تعالى ذلك الرجل مع موسى من الغرق أيضا. قوله : (قومه معه) أي ولم يصرح به ، لأنه أولى منهم بذلك. قوله : (ثم) (النَّارُ) أتى بثم إشارة إلى أنه كلام مستأنف ، و (النَّارُ) مبتدأ ، وجملة (يُعْرَضُونَ عَلَيْها) خبره ، والمعنى : تعرض أرواحهم من حين موتهم إلى قيام الساعة على النار ، لما روي : أن أرواح الكفار في جوف طير سود ، تغدو على جهنم وتروح كل يوم مرتين ، فذلك عرضها.