الشرك (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (٥٣) (وَأَنِيبُوا) ارجعوا (إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا) أخلصوا العمل (لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) (٥٤) بمنعه إن لم تتوبوا (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) هو القرآن (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) (٥٥) قبل إتيانه
____________________________________
على غفرانه تعالى ، وهو لا يليق. اجيب : بأن المقصود تنبيه العاصي على إنه ينبغي له أن يقدم على التوبة ، ولا يقنط من رحمة الله ، وليس ذلك إغراء بالمعاصي ، بل هو تطمين للعصاة ، وترغيب لهم في الإقبال على ربهم. قوله : (بكسر النون وفتحها) أي من باب جلس وسلم وهما سبعيتان. قوله : (وقرىء بضمها) أي من باب دخل ، وهي شاذة.
قوله : (إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) أي إشراكا أو غيره ، وهو مقيد بالتوبة كما قال المفسر ، لأن بها يخرج العاصي من ذنوبه كيوم ولدته أمه لما في الحديث : «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» وأما من مات مسلما ولم يتب من ذنوبه فأمره مفوض لربه ، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه بقدر جرمه ، ثم يدخله الجنة ، وأما من مات مشركا ، فلا يغفر له بنص قوله تعالى (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) ومن هنا قيل : رحمة الله غلبت غضبه ، لأن دار الغضب مخصوصة بمن مات مشركا ، بخلاف دار الرحمة ، فهي لمن عدا ذلك. قوله : (لمن تاب من الشرك) إنما خص الشرك ، لأن التوبة منه مقبولة قطعا بنص قوله تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) بخلاف التوبة من غير الشرك ، ففيها قولان : قيل مقبولة ظنا ، وقيل قطعا ، والفرق أن تعذيب العاصي تطهير ، وتعذيب الكافر غضب ، فمآل العاصي للجنة ، وإن طالت مدته في النار ، لأن معاملته بالفضل والرحمة بخلاف الكافر ، فمعاملته بالعدل. قوله : (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) تعليل لما قبله ، وهذان الوصفان يكونان لمن تاب ، فالغفران له دخوله الجنة.
قوله : (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ) أتى بهذه الآية عقب التي قبلها لئلا يتكل العاصي على الغفران ، ويترك التوبة والرجوع إلى الله ، فأفاد أن الرجوع إلى الله والإقبال عليه مطلوب ، ومن ترك ذلك فله الوعيد العظيم. قوله : (إن لم يتوبوا) راجع لقوله : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ). قوله : (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) أي على لسان أحسن نبي وهو محمد صلىاللهعليهوسلم ، وهذا معطوف على قوله : (وَأَنِيبُوا) والمعنى : ارجعوا إلى ربكم ، والزموا أوامر أحسن كتاب أنزل إليكم ونواهيه ، وهذا الخطاب عام للأولين والآخرين من لدن آدم إلى يوم القيامة ، ولكن من أدركه التكليف كلف بإتباعه ، ومن لم يدركه بأن كان متقدما عليه ، يلزمه اتباعه لو فرض أنه أدركه ، ومن هنا أخذ الميثاق على الأنبياء وأممهم ، إن ظهر محمد صلىاللهعليهوسلم وأحدهم حي يلزمه اتباعه ، وفي الحديث : «لو أدركني موسى ما وسعه إلا اتباعي». وحينئذ فالمعنى : اتبعوا يا عبادي من أول الزمان لآخره ، أحسن كتاب أنزل إليكم من ربكم ، فالمكلف بهذا الخطاب من أدركه ومن لم يدركه ، لكن من لم يدركه مكلف به لو لا مانع الموت ، ولذا كلف به من بقي حيا حتى أدركه ، كالخضر وإلياس وعيسى عليهمالسلام. قوله : (القرآن) تفسير لأحسن ، فإن ما أنزل إلينا من ربنا كتب كثيرة ، وأحسنها القرآن ، وهذا كله على ما فهم المفسر ، وقيل : معنى (أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) الخ ، أي من القرآن وهو أوامره دون نواهيه ، أو عزائمه دون رخصه ، أو ناسخه دون منسوخه ، أو ما هو أعم ، والخطاب لخصوص هذه الأمة فتدبر.