بلية يبتلى بها العبد (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٤٩) أن التخويل استدراج وامتحان (قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من الأمم ، كقارون وقومه الراضين بها (فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٥٠) (فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) أي جزاؤها (وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ) أي قريش (سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ) (٥١) بفائتين عذابنا ، فقحطوا سبع سنين ثم وسع عليهم (أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ) يوسعه (لِمَنْ يَشاءُ) امتحانا (وَيَقْدِرُ) يضيقه لمن يشاء ابتلاء (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٥٢) به (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا) بكسر النون وفتحها ، وقرىء بضمها تيأسوا (مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) لمن تاب من
____________________________________
على النعمة ، والمعنى أن النعمة فتنة ، أي امتحان واختبار ، هل يشكر عليها أو يكفرها. قوله : (أن التخويل) أي إعطاء النعم تفضلا وإحسانا. قوله : (الراضين بها) أشار بذلك إلى أن قومه لم يقولوها بالفعل ، وإنما نسبت لهم من حيث رضاهم بها. قوله : (سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) أي جزاء أعمالهم السيئة. قوله : (مِنْ هؤُلاءِ) بيان للذين ظلموا. قوله : (فقحطوا سبع سنين) أي أوائل سني الهجرة ، حتى أكلوا الجيف والعظم المحرق. قوله : (ثم وسع عليهم) أي استدراجا لهم ، لا رضا عليهم.
قوله : (أَوَلَمْ يَعْلَمُوا) أي القائلون : إنما أوتيته على علم عندي. قوله : (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ) أي وإن كان لا حيلة له ولا قوة ، طائعا أو عاصيا ، وقوله : (وَيَقْدِرُ) أي لمن يشاء ، وإن كان قويا شديدا ، طائعا أو عاصيا ، فليس لبسط الرزق الدنيوي ولا لقبضه ، مدخل في محبة الله ولا بغضه ، بل بحكمته تعالى. قوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي المذكور.
قوله : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا) الخ ، سبب نزولها : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعث إلى وحشي قاتل حمزة يدعوه إلى الإسلام ، فأرسل إليه : كيف تدعوني إلى دينك ، وأنت تزعم أنه من قتل أو اشرك أو زنى يلق أثاما يضاعف له العذاب ، وأنا فعلت ذلك كله؟ فأنزل الله (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً) فقال وحشي : هذا شرط شديد ، لعلي لا أقدر عليه ، فهل غير ذلك؟ فأنزل الله (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاء) قال وحشي : اراني بعد في شبهة ، أيغفر لي أم لا؟ فنزلت هذه الآية ، فقال وحشي : نعم ، الآن لا أرى شرطا ، فأسلم ، وهذه الآية عامة لكل كافر وعاص ، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، ومن ثم قيل : إنها أرجى آية في كتاب الله تعالى ، وفيها من أنواع المعاني والبيان أمور حسان ، منها : إقباله تعالى على خلقه ونداؤه إياهم. ومنها : إضافتهم إليه إضافة تشريف ، ومنها : التفات من التكلم إلى الغيبة في قوله : (مِنْ رَحْمَةِ اللهِ). ومنها : إضافة الرحمة لأجل اسمائه ، الجامع لجميع الأسماء والصفات ، وهو لفظ الجلالة. ومنها : الاتيان بالجملة المعرفة الطرفين المؤكدة بأن وضمير الفصل في قوله : (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) للإشارة إلى أنه تعالى لا وصف له مع عباده إلا الغفران والرحمة ، ومناسبة هذه الآية لما قبلها ، أن الله تعالى لما شدد على الكفار التشديد العظيم في قوله (وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) الآية ، أتبعها بذكر عظيم غفرانه ورحمته لمن آمن ، ليجمع العبد بين الرجاء والخوف. قوله : (الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) أي فرطوا في الأعمال الصالحة ، وارتكبوا سيىء الأعمال ، واكثروا منه. قوله : (لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) إن قلت : إن في هذا إغراء بالمعاصي ، واتكالا