إنعاما (مِنْهُ نَسِيَ) ترك (ما كانَ يَدْعُوا) يتضرع (إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ) وهو الله ، فما في موضع من (وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً) شركاء (لِيُضِلَ) بفتح الياء وضمها (عَنْ سَبِيلِهِ) دين الإسلام (قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً) بقية أجلك (إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ) (٨) (أَمَّنْ) بتخفيف الميم (هُوَ قانِتٌ) قائم بوظائف الطاعات (آناءَ اللَّيْلِ) ساعاته (ساجِداً وَقائِماً) في الصلاة (يَحْذَرُ الْآخِرَةَ) أي يخاف عذابها (وَيَرْجُوا رَحْمَةَ) جنة (رَبِّهِ) كمن هو عاص بالكفر أو غيره ، وفي قراءة أم من ، فأم بمعنى بل والهمزة (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) أي لا يستويان ، كما لا يستوي العالم والجاهل (إِنَّما يَتَذَكَّرُ) يتعظ (أُولُوا الْأَلْبابِ) (٩) أصحاب العقول (قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ) أي عذابه بأن تطيعوه (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا) بالطاعة
____________________________________
(أعطاه إنعاما) أي اعطاء على سبيل الإنعام والإحسان ، فإنعاما مفعول لأجله ، لأن التحويل هو اعطاء النعم على سبيل التفضل والإحسان من غير مقتض لها. قوله : (وهو الله) أشار بذلك إلى أن (ما) موصولة ، بمعنى الذي مرادا بها الله تعالى ، ويصح أن يراد بها الضر ، والمعنى نسي الضر الذي كان يدعو لكشفه ، ويصح أن يكون (ما) مصدرية ، والمعنى نسي كونه داعيا من قبل تخويل النعمة ، والأظهر ما قاله المفسر. قوله : (لِيُضِلَ) اللام للعاقبة والصيرورة. قوله : (بفتح الياء وضمها) أي فهما قراءتان سبعيتان.
قوله : (قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ) الأمر للتهديد ، وفيه إشعار بقنوطه من التمتع في الآخرة. قوله : (بقية أجلك) أشار بذلك إلى أن (قَلِيلاً) صفة لموصوف محذوف ، أي زمانا قليلا. قوله : (إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ) أي ملازمها ومعدود من أهلها على الدوام. قوله : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ) هذا من تمام الكلام المأمور بقوله ، وحينئذ فالمعنى قل للكافر (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ) إلخ. قوله : (بتخفيف الميم) أي والهمزة للاستفهام الأنكاري و (من) موصولة مبتدأ ، خبره محذوف قدره بقوله : (كمن هو عاص). قوله : (آناءَ اللَّيْلِ) جمع إنى بالكسر والقصر ، كمعى وامعاء. قوله : (ساعاته) أي أوله وأوسطه وآخره ، وفي الآية دليل على أفضلية قيام الليل على النهار ، لما في الحديث : «ما زال جبريل يوصيني بقيام الليل حتى علمت أن خيار أمتي لا ينامون». قال ابن عباس : من أحب أن يهون الله عليه الوقوف يوم القيامة ، فليره الله في ظلمة الليل. قوله : (وفي قراءة أمن) أي بالتشديد ، وعليها فأم داخلة على من الموصولة ، فأدغمت الميم في الميم ، وترسم على هذه القراءة ميما واحدة متصلة بالنون كقراءة التخفيف ، اتباعا لرسم المصحف والإعراب على كل من القراءتين واحد لا يتغير ، وقوله : (بمعنى بل) أي التي للإضراب الانتقالي ، وقوله (والهمزة) أي التي للاستفهام الإنكاري ، والقراءتان سبعيتان. قوله : (الَّذِينَ يَعْلَمُونَ) أي وهم المؤمنون بربهم ، وقوله : (وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) أي وهم الكفار. قوله : (أي لا يستويان) أشار به إلى أن الاستفهام انكاري بمعنى النفي. قوله : (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) أي أصحاب القلوب الصافية والآراء السديدة ، وخصهم لأنهم المنتفعون بالتذكر.
قوله : (قُلْ يا عِبادِ) إلخ ، أمر الله سبحانه وتعالى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بأوامر لنفسه ولأمته ، زيادة في الحث لهم على التجرد لطاعة الله تعالى ، واجتناب الشكوك والأوهام. قوله : (بأن تطيعوه) أي تتمثلوا أوامره وتجتنبوا نواهيه ، وهو تفسير للتقوى التي هي جعل العبد بينه وبين العذاب وقاية. قوله : (لِلَّذِينَ) خبر