مِنْها) أي من الجنة وقيل من السماوات (فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) (٧٧) مطرود (وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ) (٧٨) الجزاء (قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (٧٩) أي الناس (قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ) (٨٠) (إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) (٨١) وقت النفخة الأولى (قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (٨٢) (إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (٨٣) أي المؤمنين (قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ) (٨٤) بنصبهما ورفع الأول ونصب الثاني فنصبه بالفعل بعده ونصب الأول ، قيل : بالفعل المذكور ،
____________________________________
ترك السجود ، لكونه خيرا منه ، وبين ذلك بأن أصله من النار ، وأصل آدم من الطين ، والنار أشرف من الطين ، لكون النار نورانية ، والطين من الأرض وهي ظلمانية ، والنوراني أشرف من الظلماني ، وهذه شبهته ، وقد أخطأ فيها ، لأن مآل النار إلى الرماد الذي لا ينتفع به ، والطين أصل لكل نام نابت ، كالإنسان والشجرة ، ومن المعلوم أن الإنسان والشجرة خير من الرماد ، وزيادة على ذلك ، أن النوع الإنساني تشرف بأمور : الأول من جهة الفاعل المشار إليه بقوله : (لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) والثاني من جهة الصورة المشار إليها بقوله : (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) ومن جهة الغاية المشار إليها بقوله : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) ؛ ولم يحصل ذلك غير النوع الإنساني ، فدل على أفضليته. قوله : (أي من الجنة) إلخ ، هذا الخلاف مبني على الخلاف الواقع في أمر الملائكة بالسجود لآدم ، هل كان بعد دخوله الجنة أو قبله؟ فقوله : (أي من الجنة) مبني على الأول ، وقوله : (أو من السماوات) مبني على الثاني ، وقيل : المعنى اخرج من الخلقة التي كنت عليها أولا ، لما ورد : أن ابليس كان يفتخر بخلقته ، فغير الله خلقته فاسود بعد ما كان أبيض ، وقبح بعد ما كان حسنا ، وأظلم بعد ما كان نورانيا ، وروي أن ابليس كان رئيسا على اثني عشر ألف ملك ، وكان له جناحان من زمرد أخضر ، فلما طرد غيرت صورته ، وجعله الله معكوسا على مثال الخنازير ، ووجهه كالقردة ، وهو شيخ أعور ، وفي لحيته سبع شعرات مثل شعر الفرس ، وعيناه مشقوقتان في طول وجهه ، وأنيابه خارجة كأنياب الخنازير ، ورأسه كرأس البعير ، وصدره كسنام الجمل الكبير ، وشفتاه كشفتي الثور ، ومنخراه مفتوحتان مثل كوز الحجام. قوله : (فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) إلخ ، فإن قلت : إذا كان الرجم بمعنى الطرد ، فاللعنة بمعناه ولزم التكرار. أجيب : بأن الرجم الطرد من الجنة أو السماء ، واللعنة والطرد من الرحمة وهو أبلغ.
قوله : (وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي) ذكرها هنا بالإضافة وفي غيرها بالتعريف تفننا. قوله : (إِلى يَوْمِ الدِّينِ) فإن قلت : كلمة (إِلى) لانتهاء الغاية ، فتقتضي انقضاء اللعنة عند مجيء يوم الدين ، مع أنها لا تنقطع. أجيب : أن اللعنة قبل يوم الدين من الله وعيد بخلوده في العذاب ، ومن العبيد طلب ذلك ، وفي يوم الدين تحقق الوعيد والمطلوب. قوله : (قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي) أي أمهلني وأخرني ، والفاء متعلقة بمحذوف تقديرها إذ جعلتني رجيما فأمهلني ولا تمتني إلى يوم يبعثون ، أي آدم وذريته ، وأراد بذلك أن يجد فسحة لإغوائهم ، ويأخذ منهم ثأره ، وينجو من من الموت بالكلية ، إذ لا موت بعد البعث. فأجابه الله تعالى بالإمهال مدة الدنيا لأجل الإغواء ، لا بالنجاة من الموت.
قوله : (قالَ فَبِعِزَّتِكَ) الباء للقسم ، ولا ينافيه قوله تعالى في الآية الأخرى (قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي) فإن إغواء الله تعالى له من آثار عزته التي أقسم بها هنا. قوله : (بنصبهما ورفع الأول) إلخ ، أي فالقراءتان