تعالى (اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ) أي القوة في العبادة ، كان يصوم يوما ويفطر يوما ، ويقوم نصف الليل وينام ثلثه ويقوم سدسه (إِنَّهُ أَوَّابٌ) (١٧) رجاع إلى مرضاة الله (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ) بتسبيحه (بِالْعَشِيِ) وقت صلاة العشاء (وَالْإِشْراقِ) (١٨) وقت صلاة الضحى ، وهو أن تشرق الشمس ويتناهى ضوؤها (وَ) سخرنا (الطَّيْرَ مَحْشُورَةً) مجموعة إليه تسبح معه (كُلٌ) من الجبال والطير (لَهُ أَوَّابٌ) (١٩) رجاع إلى طاعته بالتسبيح (وَشَدَدْنا مُلْكَهُ) قوّيناه بالحرس والجنود ، وكان يحرس محرابه في كل ليلة ثلاثون ألف رجل (وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ) النبوة والإصابة في الأمور (وَفَصْلَ الْخِطابِ) (٢٠) البيان الشافي في كل قصد
____________________________________
قوله : (اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) فيه تهديد للكفار ، وتسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم. قوله : (وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ) إلخ ، والمقصود من ذكر تلك القصص ، إظهار فضل المتقدمين ، وتسليته له صلىاللهعليهوسلم على أذى قومه ، فيقتدي بمن قبله لكونه سيد الجميع ، فهو أولى بالصبر ، والإضافة في عبدنا لتشريف المضاف. قوله : (ذَا الْأَيْدِ) مصدر مفرد بوزن البيع ، من آد يئيد ، إذا قوي واشتد ، وليس جمع يد. قوله : (كان يصوم يوما ويفطر يوما) أي وهو جهاد للنفس ، دليل على قوة داود ، لأن النفس كالطفل ، فإذا فطمها عن شهوتها بالصوم يوما ، أطلقها في اليوم الثاني ، ثم يعود لفطمها ، ولا شك أنه جهاد عظيم. قوله : (ويقوم نصف الليل) إلخ ، هكذا في بعض النسخ موافقة لما في القرطبي والبيضاوي وأبي السعود ، وفي بعض النسخ : كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ، وهو الموافق لما في الصحيحين من قوله عليه الصلاة والسّلام : «إن أحب الصيام إلى الله صيام داود ، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود ، كان يصوم يوما ، ويفطر يوما ، وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه». ولما في الجامع الصغير من قوله عليه الصلاة والسّلام : «أحب الصيام إلى الله صيام داود ، كان يصوم يوما ويفطر يوما ، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود ، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه» ولعله كان أحيانا هكذا ، وأحيانا هكذا. قوله : (إِنَّهُ أَوَّابٌ) تعليل لكونه ذا قوة في الدين. قوله : (إلى مرضاة الله) المرضاة بمعنى الرضا.
قوله : (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ) تعليل آخر لقوته في الدين. قوله : (يُسَبِّحْنَ) أي بلسان المقال ويسرن معه في السياحة ، والجملة حالية من مفعول سخرنا. قوله : (وقت صلاة العشاء) ظاهره أن المراد بها العشاء الآخرة ، والذي يفهم من كلام غيره ، أنها المغرب حيث قال : فكان داود يسبح إثر صلاته ، عند طلوع الشمس وعند غروبها. قوله : (ويتناهى ضوؤها) أي وهو ربع النهار. قوله : (وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً) بالنصب في قراءة العامة معطوف على الجبال ، وقرىء شذوذا بالرفع مبتدأ وخبر.
قوله : (كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ) أشار المفسر إلى أن الضمير في (لَهُ) عائد على (داوُدَ) ، وحينئذ فالمعنى : كل من الجبال والطير مطيع لداود في تسبيحه إن رفع رفعوا ، وإن خفض خفضوا ، وهو أحد قولين ، والآخر أنه عائد على الله تعالى ، والمعنى : كل من داود والجبال والطير مطيع لله تعالى. قوله : (بالحرس) بفتحتين اسم جمع كخدم ، أو بضم الحاء وفتح الراء المشددة جمع حارس. قوله : (ثلاثون ألف رجل) في رواية ابن عباس ستة وثلاثون ألفا. قوله : (النبوة والإصابة في الأمور) هذا أحد أقوال تفسير الحكمة ، وقيل هي العلم بكتاب الله تعالى ، وقيل : العلم والفقه ، وقيل : السنة. قوله : (البيان الشافي) أي