لا فعل له من لفظه (مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) لأنهم كانوا بين النفختين نائمين لم يعذبوا (هذا) أي البعث (ما) أي الذي (وَعَدَ) به (الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) (٥٢) أقروا حين لا ينفعهم الإقرار ، وقيل يقال لهم ذلك (إِنْ) ما (كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا) عندنا (مُحْضَرُونَ) (٥٣) (فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا) جزاء (ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٥٤) (إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ) بسكون الغين وضمها عما فيه أهل النار مما يتلذذون به ، كافتضاض الأبكار ، لا شغل يتعبون فيه ، لأن الجنة لا نصب فيها (فاكِهُونَ) (٥٥) ناعمون خبر
____________________________________
بالقيامة ، ليذهبوا للنعيم الدائم ، ورؤية وجه الله الكريم. قوله : (للتنبيه) دفع بذلك ما يقال : إن النداء مختص بالعقلاء ، فكيف ينادى الويل وهو لا يعقل فأجاب : بأن (يا) للتنبيه ، والمعنى : تنبهوا فإن الويل قد حضر.
قوله : (وَيْلَنا) قرأ العامة بإضافته إلى ضمير المتكلم ، ومعه غيره دون تأنيث ، وقرىء شذوذا يا ويلتنا بتاء التأنيث ، ويا ويلتي بإبدال الياء ألفا ، وعلى قراءة الإفراد ، يكون حكاية عن مقالة كل واحد. قوله : (لا فعل له من لفظه) أي بل معناه وهو هلك. قوله : (مَنْ بَعَثَنا) قرأ العامة بفتح ميم (مَنْ) على أنها استفهامية مبتدأ ، وجملة (بَعَثَنا) خبره ؛ وقرىء شذوذا بكسر الميم على أنها حرف جر ، و (بَعَثَنا) مصدر مجرور بمن ؛ والجار والمجرور متعلق بويلنا ، وقوله : (مِنْ مَرْقَدِنا) متعلق بالبعث ، والمرقد يصح أن يكون مصدرا أو اسم مكان ، أي من رقادنا أو من مكان رقادنا. قوله : (لأنهم كانوا بين النفختين نائمين) أي حين يرفع الله عنهم العذاب ، فيرقدون قبيل النفخة الثانية ، فيذوقون طعم النوم ، فإذا بعثوا وعاينوا أهوال يوم القيامة ، دعوا بالويل. قوله : (ما وَعَدَ الرَّحْمنُ) إلخ ، مفعول (وَعَدَ) و (صَدَقَ) محذوف والتقدير : ما وعدنا به الرحمن وصدقنا فيه المرسلون. قوله : (أقروا) إلخ ، أشار بذلك إلى أن هذه الجملة من كلام الكفار ، فهي في محل نصب مقول القول ، كأنهم لما سألوا فلم يجابوا ، أجابوا أنفسهم. قوله : (وقيل يقال لهم ذلك) أي من جانب المؤمنين ، أو الملائكة ، أو الله تعالى ، وإنما عدلوا عن جواب سؤالهم ، لأن الباعث لهم معلوم ، وإنما لهم السؤال عن البعث.
قوله : (إِنْ كانَتْ) أي النفخة الثانية. قوله : (إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) أي وهو قول إسرافيل أيتها العظام النخرة ، والأوصال المتقطعة ، والعظام المتفرقة ، والشعور المتمزقة ، وإن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء. قوله : (فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) أي مجموعون في موقف الحساب. قوله : (فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) هذا حكاية عما يقال لهم حين يرون العذاب. قوله : (إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ) إلخ ، جرت عادة الله سبحانه وتعالى في كتابه ، إذا ذكر أحوال أهل النار ، أتبعه بذكر أحوال أهل الجنة. قوله : (فِي شُغُلٍ) أبهمه ونكره ، إشارة إلى تعظيمه ورفعة شأنه ، والمراد به ما هم فيه من أنواع الملاذ التي تلهيهم عما عداها بالكلية ، كالتفكه بالأكل والشرب والسماع وضرب الأوتار والتزاور ، وأعظم ذلك سماع كلام الله تعالى ورؤية ذاته. قوله : (بسكون الغين وضمها) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله : (كافتضاض الأبكار) أي لما روى : أن أهل الجنة ، كلما أرادوا القرب من نسائهم وجدوهن أبكارا ، فيفتضون من غير قذر ولا ألم. قوله : (فاكِهُونَ) من الفكاهة بفتح الفاء ، وهي التنعم والتلذذ.