نصرتها ، فجمعوا له الحطب الكثير ، وأضرموا النار في جميعه ، وأوثقوا إبراهيم وجعلوه في منجنيق ورموه في النار ، قال تعالى (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) (٦٩) فلم تحرق منه غير وثاقه وذهبت حرارتها وبقيت إضاءتها ، وبقوله (وسلاما) سلم من الموت ببردها (وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً) وهو التحريق (فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ) (٧٠) في مردهم (وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً) ابن أخيه هاران
____________________________________
ليس لي خليل غيره ، وأنا الإله ليس له إله غيري ، فإن استغاث بأحدكم أو دعاه فلينصره ، فقد أذنت له في ذلك ، وإن لم يدع غيري ، فأنا وليه وأنا أعلم به ، فخلوا بيني وبينه ، فلما أرادوا إلقاءه في النار ، أتاه خازن المياه وقال : إن أردت أخمدت النار ، وأتاه خازن الهواء وقال : إن شئت طيرت النار في الهواء ، فقال إبراهيم : لا حاجة لي إليكم ، حسبي الله ونعم الوكيل ، روي أنه قال حين أوثقوه ليلقوه في النار : لا إله إلا أنت سبحانك ، لك الحمد ولك الملك لا شريك لك. ثم رموا به في المنجنيق إلى النار ، فاستقبله جبريل فقال : يا إبراهيم ألك حاجة؟ قال : أما إليك فلا ، قال جبريل : فاسأل ربك ، فقال إبراهيم : حسبي من سؤالي علمه بحالي ، وكان وقت إلقائه فيها ابن ست عشرة سنة ، وقيل ابن ست وعشرين سنة ، ولما ألقي فيها ، جعل كل شيء يطفىء النار إلا الوزغ ، فإنه كان ينفخ في النار ، فصم بسبب ذلك ، وأمر صلىاللهعليهوسلم بقتله ، وكان من قتل وزغة في أول ضربة كتب له مائة حسنة ، وفي الثانية دون ذلك ، وفي الثالثة دون ذلك. ذكر بعض الحكماء ، أن الوزغ لا يدخل بيتا فيه زعفران. ومدة مكثه في النار سبعة أيام ، وقيل أربعون يوما ، وقيل خمسون يوما. قوله : (في منجنيق) آلة ترمى بها الحجارة ، فارسي معرب ، لأن الجيم والقاف لا يجتمعان في كلمة واحدة من كلام العرب.
قوله : (كُونِي بَرْداً وَسَلاماً) أي ابردي بردا غير ضار. ورد أنه لما ألقي ، أخذت الملائكة بضبعيه ، فأقعدوه على الأرض ، فإذا عين ماء عذب وورد أحمر ونرجس ، وأتاه جبريل بقميص من حرير الجنة وطنفسة ، فألبسه القميص وأقعده على الطنفسة ، وجلس معه يحدثه ويقول له : يا إبراهيم إن ربك يقول لك : أما علمت أن النار لا تضر أحبائي؟ قال إبراهيم : ما كنت أياما قط ، أنعم مني من الأيام التي كنت في النار ، ثم نظر نمروذ ، وأشرف على إبراهيم من صرح له ، فرآه جالسا في روضة والملك قاعد إلى جنبه ، فناداه يا إبراهيم إن إلهك الذي بلغت قدرته ، أن حال بينك وبين النار لكبير ، هل تستطيع أن تخرج منها؟ قال : نعم ، قال : هل تخشى إذا قمت أن تضرك؟ قال : لا ، قال : قم فاخرج منها ، فقام إبراهيم يمشي فيها حتى خرج منها ، فلما وصل إليه قال له : يا إبراهيم من الرجل الذي رأيت معك مثلك في صورتك قاعدا إلى جنبك؟ قال : ذلك ملك الظل ، أرسله إلي ربي ليؤنسني فيها ، قال نمروذ : يا إبراهيم إني مقرب إلى إلهك قربانا ، لما رأيت من قدرته وعزته فيما صنع بك ، حين أبيت إلا عبادته وتوحيده ، وإني ذابح له أربعة آلاف بقرة ، قال إبراهيم : إذا لا يقبل الله منك ما كنت على دينك حتى تفارقه وترجع إلى ديني ، فقال : لا أستطيع ترك ملكي ، ولكن سوف أذبحها له ، فذبحها له نمروذ ، وكف عن إبراهيم عليهالسلام. قوله : (وبقوله سلاما) الخ. أي ولو لم يقل على إبراهيم ، لما أحرقت النار أحدا ولما أوقدت.
قوله : (فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ) أي لأنهم خسروا السعي والنفقة ، فلم يحصلوا مرادهم ، ويحتمل