(يُجادِلُونَ) يخاصمون النبي صلىاللهعليهوسلم (فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ) (١٣) القوة أو الأخذ (لَهُ) تعالى (دَعْوَةُ الْحَقِ) أي كلمته وهي لا إله إلا الله (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ) بالياء والتاء يعبدون (مِنْ دُونِهِ) أي غيره وهم الأصنام (لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ) مما يطلبونه (إِلَّا) استجابة (كَباسِطِ) أي كاستجابة باسط (كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ) على شفير البئر يدعوه (لِيَبْلُغَ فاهُ) بارتفاعه من البئر إليه (وَما هُوَ بِبالِغِهِ) أي فاه أبدا فكذلك ما هم بمستجيبين لهم (وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ) عبادتهم الأصنام أو حقيقة الدعاء (إِلَّا فِي ضَلالٍ) (١٤) ضياع (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً)
____________________________________
رأسه) بكسر القاف ، عظم الرأس الذي فوق الدماغ. قوله : (وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ) بكسر الميم من المماحلة وهي المكايدة ، وقيل من المحل وهو القوة والأخذ وهو الأولى ، ولذا مشى عليه المفسر.
قوله : (دَعْوَةُ الْحَقِ) أي شرعها وأمر بها. قوله : (وهي لا إله إلا الله) أي مع عديلتها وهي محمد رسول الله ، فهي كلمة الحق جعلت مفتاحا للإسلام ، فلا يقبل من أحد إلا بالإقرار بها. قوله : (بالياء والتاء) أما الياء فمتواترة ، وأما التاء فشاذة ، وكان المناسب للمفسر التنبيه عليها. قوله : (لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ) أي لا يجيبونهم. قوله : (إِلَّا) (استجابة) أشار بذلك إلى أن الكلام على تقديره مصدر مضاف إلى المفعول ، والمعنى أن الأصنام التي يعبدها الكفار ، لا تعقل ولا تسمع ولا تبصر ، فلا تجيب عابديها بشيء أصلا ، وقد ضرب الله مثلا لعدم إجابتها لهم بقوله : (إِلَّا كَباسِطِ) إلخ ، والمعنى أن من بسط كفيه للماء ليدخل في فيه لا يجيبه الماء ، لعدم إشعاره ببسط كفيه وعطشه وعدم قدرته على ذلك ، فكذلك من يدعو الأصنام لتدفع عنه كربة أو توليه نعمة ، لا تجيبه بشيء لعدم قدرتها على ذلك لنفسها فضلا عن غيرها.
قوله : (وَما هُوَ) أي الماء. قوله : (عبادتهم الأصنام أو حقيقة) إلخ ، هذان قولان في تفسير الدعاء ، والأقرب الأول بدليل قوله أولا (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ) (يعبدون). قوله : (ضياع) إنما كان دعاؤهم ضائعا ، لأنه طلب ممن لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ، وأما دعاؤهم لله فليس بضائع ، بل يستجيب لهم إن شاء ، فإن كان بأمور الدنيا فظاهر ، وإن كان بالجنة فيهديهم للإيمان ، هذا هو الذي يجب المصير إليه ؛ ويؤيده قوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) فإنها في مشركي مكة ، وجملة (وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) نتيجة ما قبلها.
قوله : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ) أي وهم الملائكة ، ولا يكون إلا طوعا ، وقوله :
(وَالْأَرْضِ) أي من الإنس والجن. وقوله : (طَوْعاً وَكَرْهاً) حالان من الفاعل أي طائعين ومكرهين ، والكره في المنافقين كما قال المفسر ، وأما باقي الكفار فلم يكن منهم سجود ، وهذا إن حمل السجود على حقيقته ، وهو وضع الجبهة على الأرض بالفعل ، وإن أريد من السجود الأمر به ، بقيت على عمومها ، فيندرح تحتها الإنس والجن والملك ، ويصح حمله على معناه المجازي ، وهو الخضوع والإنقياد ، والمعنى والله خضع وانقاد وذل من في السموات والأرض جميعا ، وهو بمعنى قوله تعالى : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) وعلى هذا فالمراد بمن في السموات والأرض ، السماوات والأرض ومن فيهن ، وغلب العاقل لشرفه ، ولأنه المكلف بالسجود الحقيقي واللغوي ، فالعارف بربه ، المسلم لأحكامه ، ولو غير عاقل ، بدليل (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) ، خضع طوعا إجلالا لهيبة الله وجلاله ، والجاهل