.................................................................................................
______________________________________________________
وأما الوجه الأول : فحاصله : إن هنا علمين ، أحدهما : يتعلق بالأحكام الواقعية بمعنى : أنّا نعلم بكوننا مكلفين في هذا الزمان بأحكام فعلية ولا سبيل لنا إليها لا بقطع وجداني ولا بطريق ثبت شرعا حجيته كخبر الواحد مثلا ، ولا بطريق ثبت حجيّته دليل اعتباره كالإجماع المنقول بخبر الواحد ، حيث ثبت شرعا حجية دليله ، أعني : خبر الواحد.
وثانيهما : يتعلق بالطرق ، يعني : كما أنّا نعلم بأحكام فرعية فعلية كذلك نعلم بنصب الشارع طرقا إليها ، بحيث صار تكليفنا الفعلي العمل بمؤديات تلك الطرق.
وملخص هذا الوجه يرجع إلى أمرين : أحدهما : العلم الإجمالي بنصب طرق مخصوصة للوصول إلى الواقعيات. وانسداد باب العلم والعلمي بها ، فلا بد من التنزل من العلم إلى الظن بها ؛ إذ لا ريب في حكم العقل حينئذ بتعيين تلك الطرق بالظن ؛ لأنه أقرب إلى العلم من الشك والوهم.
وثانيهما : أن التكاليف الواقعية بعد نصب الطرق للوصول إليها مصروفة عن الواقعيات إلى مؤديات الطرق ، ولازم هذين الأمرين : هو حجية الظن بالطريق دون الظن بالواقع ؛ لأن التكليف ـ بمقتضى انحلال العلم الإجمالي بالتكاليف بالعلم بكوننا مكلفين بالعمل بمؤديات الطرق ـ هو العمل بالظن بالطريق.
هذا تمام الكلام في الوجه الأول من الوجهين على اختصاص حجية الظن بالظن بالطريق فقط.
وقد أجاب المصنف عن الاستدلال بهذا الوجه بوجهين :
الوجه الأول : وهو متضمن لأربعة ردود :
الأول : ما أشار إليه بقوله : «بعد تسليم العلم بنصب طرق خاصة» ، وحاصله : أن العلم الإجمالي بالتكاليف الفعلية وإن كن ثابتا ؛ إلا أن العلم الثاني ـ وهو العلم بنصب طرق خاصة غير ثابت ، يعني : لا نسلم العلم بنصب الطرق الخاصة لإمكان إيكال الشارع إلى العقلاء ، بمعنى : أن الشارع أوكل المكلفين إلى الطرق العقلانية الوافية بالأحكام ، سواء كانت إمضائية كخبر الثقة ، أم تأسيسية كالإجماع المنقول والشهرة ونحوهما ـ كما هو الغالب في المشرعين ـ حيث إنهم لا يضعون طرقا خاصة لأحكامهم ، وإذا كان الأمر موكولا إلى العقلاء فهم يعملون بالظن عند فقدان القطع ، من دون فرق في ذلك بين الظن بالطريق أو الظن بالواقع ، فلا وجه حينئذ لما أراده المستدل من حجية الظن بالطريق فقط.