هذه المرتبة (١) ، فتأمل فيما ذكرنا من التحقيق في التوفيق (٢) ، فإنه دقيق وبالتأمل حقيق.
ثالثها (٣) : أن الأصل فيما لا يعلم اعتباره ـ بالخصوص ـ شرعا ، ولا يحرز التعبد به
______________________________________________________
فهذا الجمع لا يرفع محذور اجتماع الحكمين المتنافيين لوجود الحكم الواقعي في مرتبة الحكم الظاهري أيضا ، أي : كما أنه موجود قبل رتبة الحكم الظاهري.
(١) أي : في مرتبة الحكم الظاهري.
(٢) أي : بين الحكم الواقعي والظاهري ، «فإنه دقيق وبالتأمل حقيق».
المتحصل من جميع ما أفاده المصنف في المقام : انه لا يلزم ـ من حجية الأمارات غير العلمية ـ محذور أصلا لا اجتماع المثلين ولا الضدين ، ولا تفويت مصلحة ؛ إذ معنى حجية الأمارة الغير العلمية عند المصنف هو : التنجيز عند الإصابة والتعذير عند المخالفة ، وليس هناك حكم إلا الحكم الواقعي حتى يلزم اجتماع المثلين أو الضدين.
وأما بناء على القول باستتباع الحجية لجعل الحكم الظاهري : فاجتماع الحكمين الواقعي والظاهري وإن كان يلزم إلا إنهما ليسا بمثلين ولا بضدين ؛ لأن الحكم حقيقة الذي ناش عن مصلحة أو مفسدة إرادة أو كراهة ليس إلا الحكم الواقعي ، ويعتبر الحكم المفاد بلسان الأمارة حكما صوريا لا تأصل له ، ولم ينبعث عن مصلحة أو مفسدة في متعلقه ، وإنما انبعث عن مصلحة في نفس إنشائه ؛ كالأوامر الامتحانية ، ولم تتعلق عليه إرادة ولا كراهة ، فلا مماثلة ولا مضادة بينه وبين الحكم الواقعي حتى يلزم اجتماع المثلين أو الضدين ، ولا إرادة ولا كراهة بالنسبة إليه حتى يلزم اجتماعهما.
هذا لبّ ما أفاده المصنف في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري ؛ بناء على القول بكون حجية الأمارة الغير العلمية مستتبعة لجعل الحكم. وهناك وجوه وأقوال للجمع بين الحكم الواقعي والظاهري تركناها تجنبا عن التطويل الممل.
مقتضى الأصل فيما شك في اعتباره
(٣) أي : الثالث من الأمور التي ينبغي تقديمها قبل الخوض في الأمارات في بيان الأصل الذي هو المرجع عند الشك في حجية الأمارة الغير العلمية ، يعني : بعد أن أثبت في الأمرين الأولين إمكان حجية الأمارة ذاتا ووقوعا ، صار بصدد بيان مقتضى الأصل عند الشك في الحجية ، فالمقصود من عقد هذا الأمر الثالث هو : بيان مقتضى الأصل فيما إذا شك في اعتبار الظن شرعا ، فإن الأمارة الظنية قد يعلم بحجيتها ، وقد يعلم بعدم حجيتها ، وقد يشك في حجيتها. ومحل الكلام هو ما إذا وقع الشك في اعتبارها ، فهل