ثالثها (١) : أنه جعل غاية للإنذار الواجب وغاية الواجب واجبة ويشكل (٢) الوجه
______________________________________________________
التحذر والقبول ؛ وإلا لغى وجوب الإنذار.
وفي هذا الوجه قد أثبت وجوب الإنذار لكونه غاية للنفر الواجب ، وأثبت وجوب التحذر أيضا ؛ لكونه غاية للإنذار الواجب.
(١) أي : ثالث وجوه الاستدلال بآية النفر ، وقد عرفت توضيح ذلك. وحاصل ما في «منتهى الدراية ، ج ٤ ، ص ٤٧٠» من الفرق بين هذه الوجوه الثلاثة : أن الوجه الأول : ناظر إلى دعوى الملازمة بين محبوبية الحذر عند الإنذار ، وبين وجوبه شرعا وعقلا.
والثاني : ناظر إلى لزوم لغوية وجوب الإنذار لو لم يجب الحذر.
والثالث : إلى دعوى الملازمة بين وجوب الإنذار ووجوب الحذر ؛ لكونه غاية للإنذار ؛ كوجوب نفس الإنذار لكونه غاية للنفر الواجب.
وهذه الثلاثة ذكرها المصنف ثم استشكل فيها.
(٢) توضيح الإشكال يتوقف على مقدمة وهي : أن الوجه الأول لإثبات وجوب الحذر يرجع إلى شقين :
الشق الأول : هو التلازم بين محبوبية الحذر وحسنه ، وبين وجوبه عقلا.
والشق الثاني : هو التلازم بينهما شرعا.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن الملازمة العقلية بينهما لا تكون ثابتة مطلقا ؛ بل إذا كان الحذر عن العقوبة لا عن الملاك أعني : فوت المصلحة أو الابتلاء بالمفسدة ؛ لأن الحذر عن العقوبة إنما هو لوجود المقتضي له وهو تنجز التكليف بقيام حجة على ثبوته ، سواء كان علما أو علميا.
وأما إذا كان الحذر عن ملاك التكليف : فالملازمة بين حسن الحذر ووجوبه عقلا ممنوعة ؛ وذلك لعدم العقوبة عند عدم تنجز التكليف ؛ لكون العقوبة حينئذ بلا بيان ؛ إذ لا دليل على وجوب الحذر عن مجرد الملاكات من دون مطالبة المولى لها وإن كان حسنا ؛ بل مقتضى البراءة العقلية في الشبهات البدوية عدم وجوب الحذر ولو علم العبد بالملاك ؛ إذ مجرد علمه بالملاك لا يوجب الإتيان بما فيه الملاك.
وكيف كان ؛ فمجرد حسن الحذر لا يلازم عقلا وجوبه ؛ لكونه لازما أعم ، ضرورة : حسن الحذر في الشبهات البدوية ، مع عدم وجوب الحذر فيها قطعا.
هذا تمام الكلام في ردّ الشق الأول ، وهي الملازمة العقلية بين حسن الحذر ووجوبه.
وأما ، رد الشق الثاني : وهي الملازمة بينهما شرعا ، وهي عدم الفصل بين حسن الحذر