ثم لا يذهب عليك أنه مع هذا الاحتمال (١) ، لا مجال لدعوى الوثوق ـ فضلا عن القطع ـ بكونها (٢) حقائق شرعية ، ولا لتوهم دلالة الوجوه التي ذكروها على ثبوتها (٣) ؛ لو سلّم دلالتها (٤) على الثبوت لولاه.
______________________________________________________
هذا الاختلاف بحسب المصداق لا الماهية مثلا : ورد في الشرع : «إن الصلاة قربان كل تقي». ونفرض أنها لغة ما يوجب القرب إلى الله سبحانه ، فإن اختلاف مصاديقه بحسب الشرائع لا يوجب اختلافا في هذا المعنى الذي يكون واحدا في جميع الشرائع ولا يضر بوحدته.
وبعبارة واضحة : فكما إن الاختلاف فيها بحسب حالات المكلف من التمام والقصر ، ومن القيام والجلوس لا يقدح في وحدة ماهية الصلاة وفي آثارها فكذلك الاختلاف في الشرائع لا يضر بوحدتها.
فحينئذ لا يبقى مجال للقول بثبوت الحقيقة الشرعية.
فالمتحصل : أن النزاع في الحقيقة الشرعية ، ثم القول بثبوتها بالوضع التعييني الحاصل بالاستعمال مبنيّ على كون المعاني الشرعية أمورا اخترعها الشارع. وأمّا بناء على كونها ثابتة في الشرائع السابقة فألفاظ العبادات حقائق لغوية لا شرعية ، فلا يبقى مجال للنزاع في الحقيقة الشرعية.
(١) أي : احتمال وجود هذه المعاني في الشرائع السابقة لا أنها مستحدثة أو مع احتمال ما ذكره الباقلاني من إنكاره المعاني الشرعية لألفاظ العبادات حيث قال : إن الشارع استعملها في معانيها اللغوية ، ولكن قد أضاف عدة أجزاء وشرائط إلى المعاني اللغوية ، فإن لاحظنا قول الباقلاني في ألفاظ العبادات فلا يحصل لنا اطمئنان بكونها حقائق شرعية في المعاني الشرعية ، فلا تدل الأدلة التي استدل بها على ثبوت الحقيقة الشرعية. هذا ما أشار إليه بقوله : «ولا لتوهم دلالة ...» إلخ.
(٢) أي : بكون ألفاظ العبادات حقائق شرعية.
(٣) أي : على ثبوت الحقيقة الشرعية.
(٤) أي : على فرض تسليم دلالة الوجوه المذكورة على ثبوت الحقيقة الشرعية «لولاه» أي : لو لا الاحتمال. والتعبير بقوله : «لو سلم» إشارة إلى كون دلالة تلك الوجوه في أنفسها مع قطع النظر عن الاحتمال المذكور مخدوشة.
فمعنى العبارة : أن تلك الوجوه لو فرض دلالتها على ثبوت الحقيقة الشرعية فلا يمكن الاستدلال بها لأجل هذا الاحتمال ، لأن النزاع في كونها حقائق أو مجازات متفرع على كونها من مخترعات الشارع. هذا هو الأصل فلو انتفى الأصل ينتفي ما يتفرع عليه ، فمع