كيف (١) يكون علامة؟ مع توقفه على العلم بأنّه موضوع له كما هو واضح ، فلو كان العلم به موقوفا عليه لدار.
فإنّه (٢) يقال : الموقوف عليه غير الموقوف عليه ، فإنّ العلم التفصيلي ـ بكونه موضوعا له ـ موقوف على التبادر ، وهو موقوف على العلم الإجمالي الارتكازي به ، لا التفصيلي ، فلا دور.
هذا (٣) إذا كان المراد به التبادر عند المستعلم ، وأمّا إذا كان المراد به التبادر عند
______________________________________________________
المتبادر ، فيخرج بالتبادر المستند إلى حاق اللفظ : التبادر الناشئ عن القرينة الحالية أو المقالية.
(١) أي : كيف يكون التبادر علامة الحقيقة مع توقفه على العلم بالوضع؟ فإذا توقف العلم بالوضع على التبادر لزم الدور ، فالاستفهام إنكاري أي : لا يكون التبادر علامة للزوم الدور ، لأنّ التبادر لا يحصل بدون العلم بالوضع كما هو ظاهر ، فإذا كان العلم بالوضع موقوفا على التبادر ـ كما هو مقتضى علاميّة التبادر ـ لزم الدور.
(٢) قوله : «فإنه يقال» دفع لإشكال الدور ، وتوضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن الملاك في استحالة الدور وبطلانه هو : لزوم توقف الشيء على نفسه ؛ المستلزم لتقدم الشيء على نفسه ، وهو باطل ومستحيل ، وهذا إنّما يتمّ فيما إذا كان كل من الموقوف والموقوف عليه أمرا واحدا ، ولم يكن بينهما تغاير أصلا.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن كون التبادر علامة للحقيقة والوضع وإن كان مستلزما للدور إلّا إنّه ليس باطلا ومحالا ، وذلك لأنّ «الموقوف عليه غير الموقوف عليه» بمعنى : أن العلم بالوضع الموقوف على التبادر غير العلم بالوضع الموقوف عليه التبادر فإن الأول : هو العلم التفصيلي ، والثاني : هو العلم الإجمالي الارتكازي ، مثلا : إذا علمنا إجمالا أن معنى الأمر هو الطلب ولم نعلم أنّه الطلب الإلزامي أو مطلق الطلب ، فإذا وجدنا في أنفسنا تبادر الوجوب بسماعه نعلم تفصيلا وضعه له. وهذا المقدار من التغاير بين العلمين يرفع غائلة الدور كما عرفت. ثم المراد بالعلم الإجمالي الارتكازي هو : العلم الذي لا يلتفت إليه الإنسان وقد يسمى بالبسيط كالجهل البسيط ، وفي المقابل أن المراد بالعلم التفصيلي : ما يكون مورد الالتفات ، وقد يسمى بالعلم المركب كالجهل المركب.
(٣) هذا الجواب الذي دفعنا به غائلة الدور عن التبادر إنّما يصح إذا كان المراد بالتبادر هو التبادر عند المستعلم ، وهو من يأخذ العلم من غيره ، وأما إذا كان المراد بالتبادر هو التبادر عند أهل المحاورة العالمين بالأوضاع ، بمعنى : أن التبادر لدى العالم وأهل اللغة يكون