تأمل فيما ذكرناه في المقام ، تعرف حقيقة المرام ، كيلا تقع فيما وقع فيه من الاشتباه بعض الأعلام (١).
ثالثتها (٢) : أنه إذا عرفت ـ بما لا مزيد عليه ـ عدم إمكان أخذ قصد الامتثال في المأمور به أصلا ، فلا مجال للاستدلال بإطلاقه ـ ولو كان مسوقا في مقام البيان ـ
______________________________________________________
(١) وهو الشيخ الأنصاري «قدسسره» ـ على ما في بعض الحواشي ـ حيث ذهب إلى إمكان أخذ امتثال الأمر في متعلق الأمر ؛ مع تعدد الأمر كما سبق ، وعرفت جواب المصنف عنه. وذهب بعض آخر إلى إمكان أخذ قصد الامتثال في المتعلق ؛ من دون حاجة إلى تعدد الأمر بدعوى : عدم لزوم الدور بالبيان الذي عرفته عند قوله : «وتوهم إمكان تعلق الأمر بفعل الصلاة بداعي الأمر ...» إلخ.
وثالث : ذهب إلى جعل القربة بمعنى : آخر مثل القربة بمعنى : حسن الفعل أو كونه ذا مصلحة ، أو غيرهما مما يمكن دخله في متعلق الأمر. وقد عرفت الجواب عنه.
وكيف كان ؛ فهذا كله في بيان إمكان أخذ التقرب في متعلق التكليف شرعا وعدمه ، وحيث ثبت عدم إمكانه في مقام الثبوت ، فلا مجال للبحث عنه في مقام الإثبات ؛ إذ مقام الإثبات فرع الثبوت كما هو بديهي. هذا تمام الكلام في المقدمة الثانية.
(٢) ثالث المقدمات في عدم جواز التمسك بإطلاق الصيغة لإثبات التوصلية.
الغرض من تمهيد هذه المقدمة : بيان امتناع التمسك بإطلاق الصيغة ؛ لإثبات التوصلية ، وعدم اعتبار نية القربة ؛ بمعنى : قصد امتثال الأمر في المتعلق.
توضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن للتقابل أربعة أقسام ، وذلك أن المتقابلين إما أن يكون أحدهما وجوديا والآخر عدميا ، أو يكونا وجوديين ولا تقابل بين أمرين عدميين ؛ إذ لا ميز في الأعدام.
ثم الأول أي : ما إذا كان أحدهما عدميا على قسمين : إما يعتبر في جانب العدم شأنية الوجود وقابليته كالعمى والبصر أو لا يعتبر ، والأول : يسمى بتقابل العدم والملكة. والثاني : يسمى بتقابل الإيجاب والسلب ، والثاني أيضا على قسمين : الأول : أن يكون تصور مفهوم أحدهما مستلزما لتصور مفهوم الآخر ؛ كالأبوّة والبنوّة ، فيسمى التقابل بتقابل التضايف ، والثاني : أن لا يكون كذلك كالسواد والبياض فيسمى بتقابل التضاد.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن التقابل بين الإطلاق والتقييد من قبيل العدم والملكة. فيعتبر في التمسك بالإطلاق أن يكون الإطلاق قابلا للتقييد ، وقد عرفت امتناع التقييد ؛ لاستلزامه الدور ، وامتناع التقييد يوجب امتناع الإطلاق ، فلا إطلاق حتى يتمسك به لإثبات التوصلية ، وعدم اعتبار قصد القربة ، ولا يصح التمسك بإطلاق الصيغة إلّا في