دفع وهم (١):
لا
يخفى : إنه ليس غرض الأصحاب والمعتزلة من نفي غير الصفات المشهورة ،
______________________________________________________
طلب حاصل في النفس
؛ سواء كان هناك إرادة أم لا. ثم أدلة الطرفين والتفاريع المتفرعة على القولين
أقوى شاهد على معنوية النزاع.
ولذا يقول بعض
أصحاب الحواشي ما هذا لفظه : «وليت شعري كيف يقع الصلح بين الطرفين ، ويرتفع
النزاع من البين ، مع التزام الخصم بالكلام النفسي ، وأن هناك صفة أخرى في النفس
قائمة بها ما وراء الإرادة تسمى بالطلب ، وتكون كلاما نفسيا ، ومدلولا للكلام
اللفظي». فهذا الكلام صريح في مغايرة الطلب والإرادة مطلقا.
(١) المتوهم هو
القوشجي في شرحه على التجريد على ما ذكره المصنف في فوائده ، ص ٢٥. قال فيما أفاده
هناك ما لفظه : «لكن لا إن المدلول باللفظ عند الإنشاء أو الإخبار أحد هذه الصفات
المشهورة كما ربما يتوهم من بعض الكلمات منها : ما في شرح التجريد للقوشجي في بيان
انحصار الكلام في اللفظي حيث ساق الكلام» ـ إلى أن قال ـ : «والحاصل أن مدلول
الكلام اللفظي الذي يسميه الأشاعرة كلاما نفسيا ليس أمرا وراء العلم في الخبر
والإرادة والكراهة في النهي». انتهى كلام القوشجي.
فمفاد هذا الكلام
هو : نفي صفة أخرى قائمة بالنفس غير الصفات المشهورة ؛ حتى تسمى كلاما نفسيا على
ما زعمه الاشاعرة.
وكيف كان ؛ فغاية
ما يقال في توضيح الوهم : إنكم قائلون بالكلام اللفظي دون الكلام النفسي ، ولا بد
له من مدلول ؛ وهو يدور بين الكلام النفسي وبين الصفات المشهورة ؛ من العلم
والإرادة والكراهة والتمني والترجي ونحوها. فإن كان هو الأول : ثبت مدعى الأشاعرة
أي : الكلام النفسي. وإن كان هو الثاني : لزم الالتزام بما هو على خلاف التحقيق ،
وحينئذ لا بد من الالتزام بأحد الأمرين : إما الكلام النفسي وقد أنكرتم ذلك ، وإما
القول بكون هذه الصفات محكيات للكلام اللفظي ، ومعان له وهو خلاف التحقيق ؛ لأن
الإرادة لا تكون من معاني الصيغ الإنشائية الطلبية وكذلك التمني والترجي والمدح
والذم ونحوها لا تكون من معاني الصيغ الإنشائية غير الطلبية ، وكذلك العلم بثبوت
النسبة أو نفيها لا يكون من معاني الجمل الخبرية.
فهناك
سؤال يطرح نفسه : ما هو المدلول للكلام اللفظي بعد الإنكار للكلام النفسي ، وبعد عدم كون هذه
الصفات مدلولات له؟ فيبقى الكلام اللفظي بلا حاك وهو باطل