أن اللفظ فيهما كأنه كرر وأريد من كل لفظ فرد من أفراد معناه ، لا أنه أريد منه معنى من معانيه ، فإذا قيل مثلا : «جئني بعينين» أريد فردان من العين الجارية لا العين الجارية ، والعين الباكية ، والتثنية ، والجمع في الأعلام إنما هو بتأويل المفرد إلى المسمى بها (١) ، مع إنه (٢) لو قيل بعدم التأويل وكفاية الاتحاد في اللفظ في استعمالهما حقيقة ، بحيث جاز إرادة عين جارية وعين باكية من تثنية العين حقيقة ، لما كان هذا من باب استعمال اللفظ في الأكثر ، لأن هيئتهما (٣) إنما تدل على إرادة المتعدد مما يراد من مفردهما ، فيكون استعمالهما وإرادة المتعدد من معانيه (٤) استعمالهما في معنى واحد ، كما إذا استعملا وأريد المتعدد من معنى واحد منهما كما لا يخفى.
______________________________________________________
من معنى ؛ إذ معنى التثنية والجمع نظرا إلى هيئتهما هو المتعدد ؛ سواء كان المتعدد من معنى واحد أو من معنيين ؛ فيكون استعمال التثنية في المعنيين المختلفين من استعمال اللفظ في معنى واحد لا في أكثر من معنى واحد ، كي ينازع في كونه على نحو الحقيقة أو المجاز.
(١) أي : بالأعلام. وقد ذكرنا أن قوله : «والتثنية والجمع في الأعلام» دفع للإيراد.
(٢) هذا هو الوجه الثاني من الرد على الشق الثاني من تفصيل صاحب المعالم ، وقد عرفت ملخصه ؛ وحاصله بعبارة أخرى على ما في «منتهى الدارية ، ج ١ ، ص ١٨٩» : أنه بناء على دلالة علامة التثنية والجمع على مطلق التعدد ؛ لا تعدد خصوص مصداق المعنى المراد من المفرد يلزم خروج التثنية والجمع عن حريم النزاع ؛ وهو استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد ، ضرورة : أن التثنية والجمع بعد أن كانا بمنزلة تكرار المفرد ، فلا بأس بأن يراد من كل لفظ معنى غير المعنى الذي أريد من لفظ آخر ، ومن المعلوم : أن هذا ليس من استعمال اللفظ في أكثر من معنى حتى ينازع في كونه على نحو الحقيقة أو المجاز ، فإرادة العين الجارية من لفظ «عين» ، وإرادة العين الباكية من لفظ عين آخر ؛ ليست من استعمال اللفظ في أكثر من معنى ، وكذا إرادة العين الباكية والجارية من العينين ليست من استعمال اللفظ في أكثر من معنى.
(٣) أي : التثنية والجمع ، فقوله : «لأن» تعليل لعدم كون استعمال التثنية والجمع في المعنيين أو المعاني من باب استعمال اللفظ في أكثر من معنى ؛ لما عرفت : من أن التثنية والجمع وضعا للمتعدد من المعنى الذي أريد من المفرد ، فإذا أريد بالعين مثلا ـ الباكية ـ فيراد بالتثنية اثنان من العين الباكية.
(٤) أي : من معاني المفرد ، والضمائر في قوله : «استعمالهما» ، «ومنهما» ترجع إلى التثنية والجمع ، وقوله : منهما ليس متعلقا بقوله : «أريد» بل متعلق بالمتعدد ، فالمعنى :