ويردّ : بأن صدور المعصية الحقيقية أعم من خبث السريرة والشقاوة ، لأن السعيد أيضا قد يصدر منه الذنب والطغيان. لغلبة الجهالة والشهوة ، كما هو معلوم ، بل لا يترصد الشيطان إلّا للسعداء.
نعم ، الشقاوة والخبث الذاتي منشأ للطغيان وصدور المعاصي على نحو الاقتضاء ، لا العلية التامة ، وليس كل من تصدر منه المعصية شقيا وخبيثا ، كما أنه ليس كل من تصدر منه الطاعة سعيدا وطيبا ذاتا ، وقد ورد في جملة من الأخبار أن الله تعالى قد يحب العبد ويبغض عمله ، وقد يبغض العبد ويحب عمله ، وهذا موافق للأدلة العقلية أيضا.
وقد صرّح صاحب الكفاية قدسسره بأن استحقاق العقاب في التجرّي والثواب في الانقياد من تبعات البعد والقرب بالنسبة إلى الله تعالى ، ويرجعان بالآخرة إلى الاستعداد الذي يكون ذاتيا ، كذاتية الإنسانية للإنسان ، وذاتي الشيء ضروري الثبوت له ويكون غير معلل.
وهذا الكلام مخالف لما ثبت في محله من نفي الشقاوة والسعادة الذاتيّتين. بل للاختيار دخل فيهما. وعن بعض مشايخنا قدس سرّهم أنه : «كان بصدد حذف هذه الجملات من هنا وما كانت مثلها في الطلب والإرادة فلم يوفق له». هذا بالنسبة إلى نفس صفة التجرّي من حيث هو.
وأما الفعل المتجرّى به فيمكن القول بقبحه أيضا ، لكونه من مظاهر الطغيان والظلم على المولى عرفا ، ويكفي في ذلك قبحه لدى العقلاء من دون أن يستلزم الحرمة الشرعية ، لكونها بلا ملاك بعد القبح العقلائي ، ولو فرض وجود دليل شرعي عليها يكون إرشادا ، كما في الإطاعة والمعصية الحقيقية ، ولو لم يكن ما قلناه كافيا في قبحه فلا موجب له أصلا ، لأن القطع بالحسن والقبح لا يغير الواقع عما هو عليه ، بل هو باق على ما كان قبل التجري.
والحاصل : أن التجري الخارجي قائم عرفا بالفعل والفاعل معا ، فينطبق