والامتنان. وكذا الكلام في «ما لا يطيقون» بل ويشكل من ذلك في قوله تعالى : (رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ) لأنه بعد أن كان التكليف بما لا يطاق قبيحا عقلا لا وجه لهذا الدعاء.
قلت : ما هو قبيح في الموارد الثلاثة هو التكليف بقيد الجهل والخطأ والنسيان. وأما وجوب الاحتياط والتحفظ حتى لا تتحقق هذه الامور مهما أمكن ، أو وجوب التدارك بعد زوالها فلا قبح فيه أصلا ، فرفع ذلك يكون لتسهيل الشرع وامتنانه.
وأما الآية الكريمة فلما لا يطاق مراتب متفاوتة.
الأولى : ما لا يطاق عقلا.
الثانية : ما يكون خلاف المتعارف.
الثالثة : ما يكون خلاف السهولة ، كوجوب الصوم في كل سنة شهرين أو أربعين يوما ـ مثلا ـ لا يكون مما لا يطاق عقلا ولا عرفا ، ولكنه خلاف السهولة ، وهكذا بالنسبة إلى جميع التكاليف ، فالدعاء ورد بالنسبة إلى القسم الأخير فقط.
الخامس : قد ذكر في الحديث : الطيرة ، والحسد ، والتفكر في الوسوسة في الخلق. ولها مراتب متفاوتة جدا.
منها : ما تترتب عليها الآثار الخارجية المحرّمة ، ولا ريب في حرمتها.
ومنها : ما تكون ثابتة في النفس وتوجب اضطرابها دائما من دون أن تترتب عليها الآثار المحرمة ، ولا ريب في أنها من الصفات الذميمة النفسانية ، ويمكن أن يكون معنى رفعها رفع حرمتها ، أو رفع مطلق الآثار عنها ببركة الإسلام وتفضل نبوة خير الأنام.
ومنها : ما تكون من مجرد الخطور النفسي مع عدم بقاء له في النفس أصلا ، فكيف بالأثر الخارجي ، وهذه المراتب مختلفة بالنسبة إلى النفوس ، ولا يبعد أن يكون قول الصادق عليهالسلام : «ثلاثة لا يخلو منها نبي وما دونه : الطيرة ،