تغيير الواقع اصلا ، وانّما الحاصل في حكم العقل في خصوصيّات التّرخيص الظّاهرى اذا اخذ الجاهل به معذوريّته في مخالفة الواقع ، من جهة العمل بالحكم الظّاهرى ما دام جاهلا بالواقع ، فاذا ارتفع جهله بتبيّن الخطاء لزم عليه في حكم العقل امتثال الواقع ، والعائد اليه من الفائدة والمصلحة ما لوحظ في سماحة بناء الاحكام في شريعتنا وسهولتها من الرّغبة والميل الى قبولها وعدم فوتها عن المكلّفين كما تفوت لو كان بنائها على الضّيق وعدم السّهولة لضعف دواعى الامتثال في غالب النّفوس البشريّة ، ومن هنا بنى التّبليغ على التّدريج ، حتّى انّ التكليف في اوّل البعثة الى عشر سنين كان منحصراً في التّوحيد والايمان بالرّسالة على ما في غير واحد من الاخبار ، وهذه العائدة والفائدة كما ترى ليست ممّا يحصل للمكلّف في شخص الواقعة ، وانّما يحصل له من حيث رغبتها في اطاعة نوع احكام الشّرع ، فهي في الحقيقة مصلحة غيريّة لا تعلّق لها بشخص الواقعة ، فإن شئت زيادة توضيح لذلك فاستمع لما يتلى عليك سماع طالب شائق متأمّل منصف غير متعسّف.
فنقول : كما انّ الحكمة الالهيّة قضت بوجود السّفراء ووسائط علميّة من الانبياء والاولياء بينه وبين خلقه ، كذا قضت من جهة حفظ النّظام ، وكون اخذ جميع المكلّفين لآحاد الاحكام من دون واسطة من السّفراء بالطّرق العادية موجباً لاختلاله كما هو ظاهر بنصف طرق خاصّة غير علميّة في حقّهم اذا كانت اصوب في نظر الشّارع من الظّنّ المطلق الّذي يحكم العقل بحجيّته عند فقد الطّرق الخاصّة الشّرعيّة ، والّا فلا يجب عليه النّصب والجعل بالخصوص ، وانّما يوكل الامر الى حكم العقل في باب طرق الامتثال كما هو الشّأن عند تماميّة مقدّمات الانسداد ، اذ لا فرق بين زمانى الغيبة والحضور في ذلك ، ضرورة عدم الفرق في حكم العقل بين الزّمانين على تقدير وجود علّة حكمه في زمان الحضور كما قد يتّفق في حقّ المكلّفين في البلاد النّائية ولو في برهة من الزّمان ، فكما انّ العقل لا يلاحظ في حكمه بحجّية الظّن بعد وجدان الحرج في تحصيل العلم الإجمالي باطاعة الاحكام الّا الطريقية ،