تعزيز محل النزاع
ثمّ إنّ الكلام في المسألة ، حسبما علم من عنوانها ، في احتساب المقروّ ، من القراءة الواجبة وكفايته ، في امتثال الأمر ، بالقراءة وعدمه. وأمّا إبطال ما يقصد به الدّعاء ، للصّلاة ونحوها من آيات القرآن ولو في غير القراءة الواجبة ، فهو من جهة كونه كلاماً آدميّاً ، فهو كلام آخر لا دخل له بما نحن في صدده. وسنتكلّم فيه إن شاء الله تعالى بعد الفراغ عن المسألة.
دليل القول بعدم الجواز
واستدلّ شيخنا لعدم الجواز والكفاية وفاقاً لموافقيه ؛ بأنّ قراءة القرآن المأمور بها في الصّلاة ، كقراءة كلّ كلام للغير ، ليس معناها إلّا حكاية كلامه أي التّلفّظ بالقرآن ، من حيث أنّه كلام من الله ، أو التلفّظ بغير القرآن في قراءة غيره ، من حيث أنّه من غير الله عزوجل ، كقراءة عبارة القوانين مثلاً.
ومن هنا ذكر جماعة ممّن تأخّر من المحقّقين إنّ لفظ الحكاية موضوع للّفظ لا للمعنى ، فإذا كان معنى قراءة كلام الغير ما ذكر ، فلا يمكن الجمع بينه ، وقصد الدّعاء مثلاً من الكلام بمعنى إنشاء الدّعاء وإرادة المعنى من اللّفظ ، من حيث كونه متكلّماً به.
وبالجملة الجمع بين عنوان القراءة والدّعاء ، وكون الشّخص قارئاً وتالياً لكلام الغير ، وداعياً ومنشأً للدّعاء ، ممّا لا يمكن عقلاً ، فلا بدّ إمّا أن يدّعى أنّ قراءة كلام الغير ليس معناه ما ذكر ، أو يدّعى عدم التّنافي بينه وبين إنشاء الدّعاء ، والاوّل مخالف للوجدان وصريح كلمات الاعلام ، والثّاني مخالف لضرورة العقل.
نعم لا نمنع التّنافي بين قراءة كلام الغير والإلتفات إلى معناه ، بل إنشاء المعنى وإرادته في النّفس ، بل جعل التّكلّم بكلام الغير ، كاشفاً عنه وإمارة له ، من غير أن ينشأه بهذا الكلام ، وعليه يحمل جميع ما ورد من الأخبار (١) في باب إظهار الخضوع
__________________
(١) عيون اخبار الرضا ٢ : ٢٦٩ / ٥٩ ، الامالي للشيخ الطوسي : ٢٣٩ ح ٢٥٣ / ١ ، بحار