وأمّا لو لم يعلم به بعد تبدّل الرّأى واحتمل وقوعه على طبق الرّأى اللّاحق ، فهو خارج عن مفروض البحث وموضوعه ، فان كان المأتىّ به ممّا يجرى فيه قاعدة الشّكّ بعد الفراغ ، كما إذا كان من العبادات البدنيّة أو الماليّة أو أصالة الصّحّة في أفعال المسلمين إذا كان لفعله طرف آخر كما إذا كان من العقود ، فيرجع إليها ؛ وإلّا فيحكم بالفساد من جهة الأصل ؛ إلّا على ما زعمه بعض المشايخ الأعلام ممّن تأخّر من كون الأصل في كلّ شيء وموجود الصّحّة ، حيث قال في البحث السّادس والثلاثين ما هذا لفظه : إنّ الأصل فيما [خلق] الله تعالى من الأعيان من عرض أو جوهر ، حيوان أو غير حيوان ، صحّته ، وكذا ما اوجده الانسان البالغ العاقل من أقوال أو أفعال فيبنى فيها على وقوعها على نحو ما وظّفت (١) له على وفق الطّبيعة الّتي أخذت (٢) به من مسلم مؤمن ، أو مخالف ، أو كافر كتابىّ ، أو غير كتابىّ ، فيبنى أخباره ودعاويه على الصّدق ، وأفعاله وعقوده وإيقاعاته على الصّحّة ، حتّى يقوم شاهد على الخلاف ، انتهى كلامه رفع مقامه (٣).
وهو كما ترى وقد ذكرنا في تعليقاتنا ما يتوجّه عليه.
ولنختم الكلام في المسألة بذكر كلام لفقيه عصره في كشف الغطاء متعلّق بالمقام ، حيث إنّه اختار الحكم بعدم النّقض في مسألة رجوع المجتهد طريقاً برزخاً متوسّطاً بين التّخطئة والتّصويب ، بعد التّمسّك له بدليل نفى الحرج.
قال قدسسره في البحث السّابع والأربعين من المشتركات ، بعد إثبات الحكم الواقعي الأوّلى لكلّ واقعة لآحاد المكلّفين ، واختلافه في مرحلة الواقع بحسب حالاتهم المنوّعة كالحضر والسّفر ونحو هما ما هذا لفظه :
وأمّا عنوان الادراك علماً أو ظنّاً أو شكّاً أو وهماً فإنّما هو مرأة ينكشف بها
__________________
(١) في المصدر : وضعت.
(٢) في المصدر : اتّحدت.
(٣) الشيخ جعفر كاشف الغطاء قدسسره (كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء ، ص ٣٥.)