حجّيّة القياس فأفتى بمقتضاه ، ثمّ يقطع ببطلانه ، لقطعه بأنّ حكمه الواقعي في حال الافتاء لم يكن ذلك ، وساق الكلام إلى أن قال : وإن لم يقطع ببطلانها ولا ببطلانه.
وإن كانت الواقعة ممّا يتعيّن في وقوعها شرعاً أخذها بمقتضى الفتوى ، فالظّاهر بقاؤها على مقتضاها السّابق ، ليرتّب عليها لوازمها بعد الرّجوع ، إذ الواقعة الواحدة لا تتحمّل اجتهادين ولو بحسب زمانين ، ولئلّا يؤدّى إلى العسر والحرج المنفيّين عن الشّريعة السّمحة ، لعدم وقوف المجتهد غالباً على رأى واحد فيؤدّى إلى الاختلال في ما بنى عليها من الأعمال ، ولئلّا يرتفع الوثوق في العمل ، من حيث إنّ الرّجوع في حقّه محتمل ، وهو مناف للحكمة الدّاعية إلى تشريع حكم الاجتهاد.
ولا يعارض ذلك بصورة القطع لندرته وشذوذه ، ولأصالة بقاء آثار الواقعة ، إذ لا ريب في ثبوتها قبل الرّجوع بالاجتهاد ، ولا قطع بارتفاعها بعده ، إذ لا دليل على تأثير الاجتهاد المتأخّر فيها ، فإنّ القدر الثّابت من أدلّته جواز الاعتماد عليه بالنّسبة إلى غير ذلك ، فيستصحب.
وأمّا عدم جريان الأصل بالنّسبة إلى نفس الحكم ، حيث لا يستصحب إلى الموارد المتأخّرة عن زمن الرّجوع ، فلمصادمته الاجماع ، مع اختصاص مورد الاستصحاب على ما حقّقناه بما يكون قضيّته البقاء على تقدير عدم طروء المانع ، وليس بقاؤه بعد الرّجوع منه ، لأنّ الشّكّ فيه في تحقّق المقتضى لا في طروء المانع ، فإن العلّة في ثبوته هى ظنّه به ، وكونه مؤدّى نظره ، وقد زالت بعد الرّجوع ، فلو بقى الحكم بعد زوالها لاحتاج إلى علّة اخرى وهى حادثة ، فيتعارض الأصلان ، أعنى : أصالة بقاء الحكم ، وأصالة عدم حدوث العلّة ، وكون العلّة هنا إعداديّة ، واستغناء بعض الحوادث في بقائها عن علّتها الاعداديّة ، غير مجد ؛ لأنّ الأصل بقاء الحاجة في تأثيرها لثبوتها عند الحدوث ، فيستصحب.
ولا يتوجّه مثله في استصحاب بقاء الآثار بعد الرّجوع ، لأنّ المقتضى لبقائها حينئذ متحقّق ، وهو وقوع الواقعة على الوجه الّذي ثبت كونه مقتضياً لاستتباع