ما هو فعل لا من حيث ما هو حكم ، وإنما أخفى ذكره هنا وذكر المغفرة لقوله (إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) والأمر من أقسام الكلام ، فما أمر بالذنوب وإنما أمر بالمسابقة والإسراع إلى الخير وفيه ، وإلى المغفرة ، جاء في الحديث [لو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون فيغفر لهم] ولم يقل فيعاقبهم ، فغلب المغفرة وجعل لها الحكم. فأصل وجود الذنب بذاته لما يتضمنه من المغفرة والمؤاخذة ، فيطلب تأثير الأسماء ، وليس أحد الاسمين المتقابلين في الحكم أولى من الآخر ، لكن سبقت الرحمة الغضب في التجاري ، فلم تدع شيئا إلا وسعته رحمته (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) العرض ينحصر في السموات والأرض في سعة الجنة ، ولم يذكر لطولها حد ولا انتهاء ، فطولها روحاني معنوي ، وعرضها جسماني ، فطولها لا ينحصر ، وأما من جهة التحقيق ، فإن ذكر عرض الجنة فإن شكلها مستدير ، والطول لا يظهر إلا ببداية وغاية ، فعرض الجنة قطرها إذا قدرته ، وليس لها طول لكونها كريّة.
(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (١٣٤)
(وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) لتعدي حدود الله ، قال صلىاللهعليهوسلم : [من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه ملأه الله أمنا وإيمانا] فمن الإيمان كظم الغيظ. (وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ) فإن للخلق أجرا على الله لأعمال عملوها له ، ولأعمال عملوها للخلق رعاية للحق ، كالعفو من العافين عن الناس ؛ فإن الإنسان إذا رحم نفسه وزال الغضب بإطلاق الانتقام أعقبته الرحمة ، وهي الندم الذي يجده الإنسان إذا عاقب أحدا ، ويقول : لو شاء الله كان العفو عنه أحسن ، لا بد أن يقول ذلك ، إما دنيا وإما آخرة في انتقامه لنفسه ، لئلا يتخيل أن إقامة الحدود من هذا القبيل ، فإن إقامة الحدود شرع من عند الله ، ما للإنسان فيها تعمّل. (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) راجع الآية (١٤٨).
(وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (١٣٥)