للعمل ، فكل وعيد ، وكل صفة توجب الشقاء مذكورة في تلك السورة ، فإن البسملة بما فيها من «الرحمن» في العموم و «الرحيم» في الخصوص ، تحكم على ما في تلك السورة من الأمور التي تعطي من قامت به الشقاء ، فيرحم الله ذلك العبد ، إما بالرحمة الخاصة ، وهي الواجبة ، وإما بالرحمة العامة ، وهي رحمة الامتنان ، فالمآل إلى الرحمة لأجل البسملة ، فهي بشرى.
والبسملة فاتحة الفاتحة ، وهي آية أولى منها ، أو ملازمة لها ، كالعلاوة ، على الخلاف المعلوم بين العلماء ، و (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) عندنا ، خبر ابتداء مضمر ، وهو ابتداء العالم وظهوره ، لأن الأسماء الإلهية سبب وجود العالم ، وهي المسلطة عليه والمؤثرة ، فكأنه يقول : ظهور العالم بسم الله الرحمن الرحيم ، أي باسم الله الرحمن الرحيم ظهر العالم ، والبسملة التي تنفصل عنها الكائنات على الإطلاق هي بسملة الفاتحة ، لا بسملة سائر السور ، فإن بسملة سائر السور لأمور خاصة ، واختص الثلاثة الأسماء لأن الحقائق تعطي ذلك ، فالله هو الاسم الجامع للأسماء كلها ، والرحمن صفة عامة ، فهو رحمن الدنيا والآخرة ، بها رحم كل شيء من العالم في الدنيا ، ولما كانت الرحمة في الآخرة لا تختص إلا بقبضة السعادة ، فإنها تنفرد عن أختها ، وكانت في الدنيا ممتزجة ، يولد كافرا ، ويموت مؤمنا ، أي ينشأ كافرا في عالم الشهادة ، وبالعكس ، وتارة وتارة ، وبعض العالم تميز بإحدى القبضتين بإخبار صادق ، فجاء الاسم «الرحيم» مختصا بالدار الآخرة لكل من آمن ، وتم العالم بهذه الثلاثة الأسماء ، جملة في الاسم «الله» وتفصيلا في الاسمين «الرحمن
____________________________________
ابن حبيب الزيات وكإسقاط هو من سورة الحديد (١) ، والباء من بالزبر (٢) ، ولم يجرح إسقاطها في قراءة من أثبتها من القرآن ، وأما في الفاتحة وفي النمل فما أحد من القراأ أسقطها رأسا ، إلا بسملة الفاتحة في الصلاة ، فمنع مالك قراءتها سرا وجهرا ، في المكتوبة ، وأجازها في النافلة ، وأما الثوري وأبو حنيفة فقالا يقرأها سرا في كل ركعة ، وقال الشافعي يقرأها ولا بد في الجهر جهرا وفي السر سرا ، وهي عندي آية من الفاتحة وهو مذهب أبي ثور وأحمد ، ومن بعض أقوال الشافعي أن البسملة
__________________
(١) (فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ) قرأ المدنيان وابن عامر بغير (هو) وكذلك هو في مصاحف المدينة والشام ، وقرأ الباقون بزيادة (هو) وكذلك في مصاحفهم ـ سورة الحديد.
(٢) (بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ) قرأ ابن عامر «وبالزبر» بزيادة باء بعد الواو والباقي بحذفها ـ آل عمران.