يكون عنده ما يحدثه فينا ولنا ، وهو مثل قوله (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ) ، وهذا الذي عندنا على نوعين : نوع يحدث صورته لا جوهره كالمطر ، فإنا نعلم ما هو من حيث جوهره وما هو من حيث صورته ، وكل العالم على هذا ، أو هو النوع الآخر ما يحدث جوهره وليس إلا جوهر الصورة ووجود جوهر العين القائمة به تلك الصورة ، فإنه لا وجود لعين جوهرها الذي قامت به إلا عند قيامها به ، فهو قبل ذلك معقول لا موجود العين ، فموضع الصورة أو محلّ الصورة من المادة يحدث له الوجود بحدوث الصورة في حال ما ، لا في كل حال ، وينعدم من الوجود بعدمها ما لم تكن صورة أخرى تقوم به ، والكل عند الله ، فما ثمّ معقول ولا موجود يحدث عنده ، بل الكل مشهود العين له بين ثبوت ووجود. فالثبوت خزائنه والوجود ما يحدثه عندنا من تلك الخزائن. ومن هنا تعلم جميع المحدثات ما هي ، ومتى ينطلق عليها اسم الحدوث ومتى تقبل اسم العدم. ـ إشارة ـ فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا فأحرى قديما. ـ نصيحة ـ إن من شرف العلم أن يعطي العالم وكلّ مرتبة ما لها من الحكم ، ومن علم السر ، أن لا يقطع العالم به على ربه عزوجل بأمر ، فإن قطع وحكم فقد جهل وظلم ، ومع أنه تعالى ما عصي إلا بعلمه ولا خولف إلا بحكمه ، لا يقول ذلك العاصي وإن اعتقده ، وكان ممن اطلع عليه وشهده ، وكذلك حكم الطاعة إلى قيام الساعة ، فالعلماء هم الحكماء لا يتعدون بالسلعة قيمتها ، ولا بكل نشأة شيمتها ، لولا ذلك ما كانت الأنبياء ، ولا فرّق في الحكم بين الأعداء والأولياء ، ولا عرفت المراتب ولا شرعت المذاهب ، ولا كانت التكاليف ولا حكمت التصاريف ، ولا كان أجل مسمى ولا تميز البصير من الأعمى ، فمن الأدب مع الله ألا يضاف إليه إلا ما أضافه إلى نفسه ، كما قال تعالى : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ) وقال في السيئة (وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) وقال : (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) قال ذلك في الأمرين إذا جمعتهما ، لا تقل من الله ، فراع اللفظ. واعلم أن لجمع الأمر حقيقة تخالف حقيقة كل مفرد إذا انفرد ولم يجتمع مع غيره ؛ ففصل سبحانه بين ما يكون منه وبين ما يكون من عنده ، فما لهم لا يفقهون ما حدثتهم به فإني قد قلت.
(ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ