ذلك الموضع ، وهو في كل حال سالك ، فانحداره إلى الله ، وصعوده إلى الله ، واستواؤه مع الله ، وهو في كل ذلك بالله عن أمر الله ، فهو في كل حال مع الله لله ، فمن سعى ووجد في حال سعيه ما تعطيه حقيقة الحجارة ـ ومنها الصفا والمروة ـ من الخشية والحياة والعلم بالله والثبات في مقامهم فقد سعى ، وحصل نتيجة سعيه ، فانصرف من مسعاه حي القلب بالله ، ذا خشية من الله ، عالما بقدره وبما له ولله ، وإن لم يكن كذلك فما سعى بين الصفا والمروة ، واعلم أنه لما كان الكمال غير محجور على النساء ، وإن كانت المرأة أنقص درجة من الرجل فتلك درجة الإيجاد لأنها وجدت عنه ، وذلك لا يقدح في الكمال ، لذلك جعل الله فعل هاجر من السعي بين الصفا والمروة ، وقرره شرعا في مناسك الحج ، فالخواطر النفسية إذا أثرت الشفقة والسعي في حق الغير أثر القبول في الجناب الإلهي.
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ (١٥٩) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٦٠) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٦١) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (١٦٢) وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) (١٦٣)
خاطب الله في هذه الآية المسلمين والذين عبدوا غير الله قربة إلى الله ، فما عبدوا إلا الله ، فلما قالوا (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) فأكدوا وذكروا العلة فقال الله لنا : إن إلهكم والإله الذي يطلب المشرك القربة إليه بعبادة هذا الذي أشرك به «واحد» ، كأنكم
____________________________________
كما قال : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا) ومذهب عائشة الطواف بينهما على الوجوب (١٦٠) (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) في هذه الآية دليل على لحوق الإثم بمن سئل عن علم من علوم الدين فكتمه ، وأنه يجب عليه أن يفتيه إذا علم ذلك ولا يتوقف ، وقد ورد في الخبر [استوصوا بطالب العلم