فالقرآن في الصدور قرآن ، وفي اللسان كلام ، وفي المصاحف كتاب ، والمترجم عن الله هو كل من كلّمه الله في الإلقاء والوحي ، فيكون المترجم خلاقا لصور الحروف اللفظية أو المرقومة التي يوجدها ، ويكون روح تلك الصور كلام الله لا غير.
ثم إن الله قد جعل للقرآن سورة من سوره قلبا ، وجعل هذه السورة تعدل القرآن عشرة أوزان ، وجعل لآيات القرآن آية أعطاها السيادة على آي القرآن ، وجعل من سور هذا القرآن سورة تزن ثلثه ونصفه وربعه ، وذلك ما أعطته منزلة تلك السورة ، والكل كلامه ، فمن حيث هو كلامه لا تفاضل ، ومن حيث ما هو متكلم به وقع التفاضل لا ختلاف النظم ، والقرآن من الكتب والصحف المنزلة بمنزلة الإنسان من العالم ، فإنه مجموع الكتب والإنسان مجموع العالم ، وأعني بذلك الإنسان الكامل ، وليس ذلك إلا من أنزل عليه القرآن من جميع جهاته ونسبه.
وأما كون القرآن نورا : فبما فيه من الآيات التي تطرد الشبه المضلة ، مثل قوله تعالى (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) وقوله (لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) وقوله (فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) وقوله (فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ) وكل ما جاء في معرض الدلالة فهو من كونه نورا ، لأن النور هو المنفر الظلم ، وبه سمى نورا ، إذ كان النور النفور.
وأما كونه ضياء : فلما فيه من الآيات الكاشفة للأمور والحقائق ، مثل قوله (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) و (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ) وقوله (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) وما أشبه ذلك مما يدل على مجرى الحقائق.
وأما كونه شفاء : فكفاتحة الكتاب وآيات الأدعية كلها.
وأما كونه رحمة : فلما فيه مما أوجبه على نفسه من الوعد لعباده بالخير والبشرى ، مثل قوله (لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) وقوله (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) وكل آية رجاء.
وأما كونه هدى : فكل آية محكمة ، وكل نص ورد في القرآن مما لا يدخله الاحتمال
____________________________________
والعلوم سماه قرانا بغير همز ، ولهذا قال النبي عليهالسلام «أوتيت جوامع الكلم» جمع كلمة ، ولما ضم حروفه بآية وسورة ومعانيه بهذا النظم المعجز سماه كتابا ، ولما أزال به شبه الضلالات وظلمة الشكوك وأوضح به المشكلات سماه نورا ، ولما أبان به عن الحق المطلوب وحسن نظمه