(هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ) (٣٨)
لما دخل زكريا عليهالسلام على مريم المحراب ، وهي بتول محررة ـ وقد علم زكريا ذلك ـ ورأى عندها رزقا آتاها الله ، أعجبه حالها ، فطلب من الله عند ذلك أن يهبه ولدا حين تعشق بحالها ، فقال (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ) يقول من عندك ، عندية رحمة ولين وعطف (ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ) ومريم في خياله من حيث مرتبتها وما أعطاها الله من الاختصاص بالعناية الإلهية :
(فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) (٣٩)
(فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ) لأنه دخل عليها المحراب عندما وجد عندها الرزق (أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ وَسَيِّداً) وهو الكمال ، لأن مريم كملت فكمل يحيى بالنبوة. فسيادة يحيى عليهالسلام سيادة ظاهرة ولهذا صرح بها في الكتاب المبين ، وأخفى فيه سيادة محمد سيد العالمين ، ثم صرح بها على لسانه في الشاهدين ، فالسيادة الظاهرة سيادة الدنيا ، والسيادة الباطنة سيادة الآخرة ، بقوله [أنا سيد ولد آدم] [وأنا سيد الناس يوم القيامة] فصرح بسيادة يحيى في القرآن لمناسبتها للظهور فظهر الوصف ، ولما كانت سيادة النبي صلىاللهعليهوسلم باطنة ، أي محل ظهورها في الدار الآخرة ، لذلك بطن ذكرها في الكتاب العزيز ، وحصورا ، وهو الذي اقتطعه الله عن مباشرة النساء ، وهو العنين عندنا ، كما اقتطع مريم عن مباشرة الرجال ، فكان يحيى زير نساء ، كما كانت حنة مريما من أثر همة والده ، فما هي صفة كمال ، وإنما كان أثر همة ، فإن الإنتاج عين الكمال (وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) فما عصى الله قط ، وهو طلب الأنبياء كلهم أن يدخلهم الله برحمته في عباده الصالحين ، وهم الذين لم يقع منهم معصية قط ، كبيرة ولا صغيرة ، فانظر ما أثر سلطان الخيال من زكريا في ابنه يحيى عليهماالسلام ، حين استفرغت قوة زكريا في حسن حال مريم عليهاالسلام لما أعطاها الله من المنزلة ، فالخيال وإن كان من الطبيعة فله سلطان عظيم