مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) (٢٦٤)
احذر من المن في العطاء ، فإن المن في العطاء يؤذن بجهل المعطي من وجوه ، منها رؤيته نفسه بأنه رب النعمة التي أعطى ، والنعمة إنما هي لله خلقا وإيجادا ، والثاني نسيانه منة الله عليه فيما أعطاه وملكه من نعمه وأحوج هذا الآخر لما في يده ، والثالث نسيانه أن الصدقة التي أعطاها إنما تقع بيد الرحمن ، والآخر ما يعود عليه من الخير في ذلك ، فلنفسه أحسن ولنفسه سعى ، فكيف له بالمنة على ذلك ، إنه ما أوصل إليه إلا ما هو له ، إذ لو كان رزقه ما أوصله إليه ، فهو مؤد أمانة من حيث لا يشعر ، فجهله بهذه الأمور جعله يمتن بالعطاء على من أوصل إليه راحة ، وأبطل عمله ، والمنعم إذا أبطل نعمته بالمن والأذى لا يكون مشكورا عند الله على ذلك ، وإن شكره المنعم عليه لمعرفته بذلّه وفقره إليه ، فمن مكارم الأخلاق أن لا يمن المنعم بما أنعم عليه ولا سيما مع شكره على ذلك فمن أمراض الأقوال ، الامتنان والتحدث بما يفعله من الخير مع الشخص على طريق المن ، والمن الأذى ، دواؤه لما كان يسوءه ذلك ويحبط أجر رب النعمة ، فإن الله تعالى قد أبطل ذلك العمل بقوله : (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى) وأي أذى أعظم من المن ، فإنه أذى نفسي ، ودواؤه أنه لا يرى أوصل إليه مما كان في يديه إلا ما هو له في علم الله ، وأن ذلك الخير كان أمانة بيده ، ما كان له ، لكنه لم يكن يعرف صاحبها ، فلما أخرجها بالعطاء لمن عين الله في نفس الأمر ، حينئذ يعرف صاحب تلك الأمانة ، فشكر الله على أدائها ، ومن أعطي هذا النظر فلا تصح منه منة أصلا (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) أي لا يبين لهم في حال سترهم وحجابهم ، فإن الإبانة بالعلم ترفع ستور الجهل بذلك المعلوم.
(وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (٢٦٥)
الوابل المطر الغزير ، وفيه رائحة اشتقاق من الاستبلال ، والطل هو أول نشئ المطر ،