العبد في حق من أساء إليه من أمثاله وأشكاله فرجع عليه بالإحسان إليه والتجاوز عن إساءته فذلك هو التواب ، ما هو الذي رجع إلى الله ، فالله معنا على كل حال كما قال : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) فإذا كنت من التوابين على من أساء في حقك ، كان الله توابا عليك فيما أسأت من حقه ، فرجع عليك بالإحسان ، فهكذا تعرف حقائق الأمور وتفهم معاني خطاب الله عباده ، فهو يحب التوابين وهو التواب ، فإنه رأى نفسه فأحبها ، لأنه الجميل فهو يحب الجمال ، فالتواب من البشر ينتقل في الآنات مع الأنفاس من الله إلى الله بالموافقات لا يكون إلا كذلك ، لا أنه الراجع من المخالفة إلى الطاعة ، فإن التائب راجع إليه من عين المخالفة ولو رجع ألف مرة في كل يوم ، فما يرجع إلا من المخالفة إلى عين واحدة ، والتواب ليس كذلك ، فالتواب هو المجهول في الخلق ، لأنه محبوب ، والمحب غيور على محبوبه فستره عن عيون الخلق ، فهم العرائس المخدرات خلف حجاب الغيرة ، والتوابون أحباب الله بنص كتابه الناطق بالحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، وجاء ذكره لهذه المحبة في التوابين عقب ذكر الأذى الذي جعله في المحيض للمناسبة ، وكذلك قال عليهالسلام : إن الله يحب كل مفتن تواب ، أي مختبر ، يريد أن يختبره الله بمن يسيء إليه من عباد الله ، فيرجع عليهم بالإحسان إليهم في مقابلة إساءتهم ، وهو التواب ، لا أن الله يختبر عباده بالمعاصي ، حاشا الله أن يضاف إليه مثل هذا (وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) التطهير صفة تقديس وتنزيه ، وتطهير العبد هو أن يميط عن نفسه كل أذى لا يليق به أن يرى فيه ، وإن كان محمودا بالنسبة إلى غيره وهو مذموم شرعا بالنسبة إليه ، فإذا طهر نفسه من ذلك أحبه الله تعالى ، كالكبرياء والجبروت والفخر والخيلاء والعجب ، فمن طهر ذاته عن أن
____________________________________
معنيين : أحدهما يتعلق بالطب ، أي يتأذى فاعله في نفسه ، والثاني أنه أذى عند الله من حيث حرّمه ، وقد يكون المعنيان مقصودين في الخطاب (فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ) وقت إتيانه وفي محله (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ) فيه كناية عن الجماع (حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ) الذي ينبغي في الكلام أن لا يقدر فيه المحذوف إلا عند الحاجة إليه ولا بد لاختلال المعنى ، وأن لا ينتقل في الكلمة من الحقيقة إلى المجاز إلا بعد استحالة حملها على الحقيقة ، فنقول : المعنى (حَتَّى يَطْهُرْنَ) أي حتى يغتسلن بالماء بعد انقطاع الدم ، وهو فعل ينطلق عليه اسم الطهارة ، والمفهوم الثاني الاغتسال المشروع الذي يبيح الصلوة فعله ، ولا يحمل (حَتَّى يَطْهُرْنَ) على انقطاع الدم ، فإن الفعل إذا