(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (١٢٧)
دعا إسماعيل بالقبول ، فأظهر النقص ليصح كمال الخليل ، إذ الواجب على كل بنيه ، أن يضع من قدره عند قدر أبيه ، فأظهر إسماعيل صفة الافتقار ، وظهر بها احتراما لأبيه وأدبا معه.
____________________________________
لا یَنالُ عَهْدِی الظَّالِمینَ) ومثله من يتأدب ويقف عند ما نبهه عليه ربه ، وأيضا لما علم إبراهيم عليهالسلام أن سبب خصب البلاد وإنزال الرزق إنما هو لأجل عناية الله بالصالحين من عباده وبدعائهم ، إذ هم المقصودون للحق من العالم ، وأن الكافر يرزق بحكم التبعية لا بحكم العناية ، كما يهلك الصالح بنزول العذاب الذي أنزل من أجل المفسدين فنال الصالح بحكم التبعية لا بحكم العقوبة ، فلهذا أيضا لم يذكر أرزاق الكافر ، وقوله : (قالَ وَمَنْ كَفَرَ) سؤال من إبراهيم فيكون في الكلام حذف ، كأنه لما قال ذلك قال الله : (وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ) فتكون الفاء جواب شرط محذوف دل عليه الكلام ، وقد يكون قوله : (وَمَنْ كَفَرَ) مبتدأ ويكون القائل الله ومن شرط وجوابه (فَأُمَتِّعُهُ) يقول والكافر أرزقه (قَلِيلاً) يعني الحيوة الدنيا ، قال تعالى : (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ) أي التمتع بها قليل ، ثم قال : (ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ) لا ينبغي أن يجعل الاضطرار بمعنى الإكراه لأنه ما قال إلى النار ، وإنما قال : (إِلى عَذابِ النَّارِ) وإنما الإكراه إنما يكون في سوقهم إلى النار ودخولها ابتداء بالجبر ، فإذا حطوا فيها كما قال : (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ) وسيأتي شرحه ومعنى سوقهم (وِرْداً) ما معناه ، والله يبقي علينا فهمه في وقت الترجمة عنه ، فاعلم أن الاضطرار هو أن يقصد المضطر ما يحتاج إليه لا ما يكره عليه ، فإن الإكراه ضد الاضطرار ، فإن حالة الاضطرار تزيل الكراهة عند المضطر من الشيء الذي كانت عنده في حال الاختيار ، واعلم أن جهنم تحتوي على عذابين حرور وزمهرير إلى غير ذلك ، فإذا كان الشقي في حرور النار ومسّت منه ما آلمه ونظر إلى الزمهرير الذي في مقابلته رمى نفسه إليه مضطرا من عذاب إلى عذاب ، وكذلك إذا جاع اضطر إلى دفع الجوع بما يأكله ، فينظر إلى شجرة الزقوم ، فيتوهم بالعادة من أكل الثمر أنه مزيل لجوعه ، فيضطر إلى قطعها فإذا ازدردها قطعت أمعاءه ، وناله من العذاب فوق ما كان يجده ، وهكذا في الشراب وغيره ، فهذا معنى الاضطرار ، وقال فيه تعالى : (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) كلمة ذم ، كما أن نعم كلمة مدح ، فذم الله ذلك المصير الذي صار