وتلاوة سر السر الأدب وهو التنزيه الوارد عليه من الإلقاء منه جل وعلا ، فمن قام بين يدي سيده بهذه الأوصاف كلها فلم ير جزء منه إلا مستغرقا فيه على ما يرضاه منه ، كان عبدا كليا ، وقال له الحق تعالى إذ ذاك : حمدني عبدي أو ما يقول على حسب ما ينطق به العبد قولا أو حالا ، فإن كان فيه بعض هذه الأوصاف وتعلقت غفلة ببعض التالين فليس بعبد كلي ، ولا يكون فيه للحق تعالى من عبودية الاختصاص إلا على قدر ما اتصفت به ذاته ، فثم عبد يكون لله فيه السدس ولهواه ما بقي ، ولله فيه الخمس ولهواه ما بقي ، والربع والثلث والنصف على قدر ما يحضر منه مع الحق تعالى من حيث هو نوري ، فانظر أين تجعل همتك ، وكيف تكون مع الحق الذي إليه مردك ، فإنك لا تجد عنده إلا ما قدمت ، وقد علمت المنازل فإما عبدا كليا ، وإما جزء عبد فتدبر هذه التلاوة ، والزمها نفسك في حركاتك وسكناتك ، فلا تتحرك إلا بالله ولله ومع الله وفي الله وإلى الله وعن الله ولا تسكن إلا على هذا الحد ، فبالله من حيث توليه لك في ذلك ، ولله من أجله لا من أجلك ، ومع الله من حيث المشاهدة والمراقبة ، وفي الله من حيث التدبر والتفكر ، وإلى الله من حيث التوجه والقصد ، وعن الله من حيث التكليف. وهكذا فلتكن في تلاوتك فإنه سبحانه يعلم السر وأخفى ، فلا يطلع عليك في سرك وعلانيتك على ما لا يرضاه منك ، وإن كان هو الفاعل سبحانه الموجد الفعل. فالزم ما كلفت من الأدب ، وما تقتضيه الحضرة الإلهية من الإجلال والتعظيم.
____________________________________
تعالى : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ) بما أوحينا إليك في ذلك (لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً إِذاً لَأَذَقْناكَ) هذا مع القصد الحسن فكيف بغير ذلك ، قال تعالى : (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) وهو قوله : (ما عليك إلا البلاغ) (وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ) و (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ) و (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) ، ثم قال : (ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ) يتولاك فيما يريده الحق أن يجريه عليك (وَلا نَصِيرٍ) ينصرك عليه ، فقال : (١٢٢) (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ) التلاوة الاتباع ، يتلوه يتبعه ، فكما أن آيات الكتاب يتلو بعضها بعضا كذلك التالي لها يمشي عليها مشيا بعد مشي ، يقول : الذين أعطيناهم الكتاب الذي أنزلته عليهم ، وهم الرسل ، (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ) أي يتبعونه حق الاتباع الذي يجب له ، وحقه الإيمان به أنه من عندنا ، وأن لا يكفر بشيء منه (أُولئِكَ) أي الذين أوتوه وتلوه حق تلاوته (يُؤْمِنُونَ