بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١)
الوجه الأول : البسملة آية مستقلة ، ونقول فيها في سورة النمل إنها جزء من آية «بسم الله» هو الله من حيث هويته وذاته «الرحمن» بعموم رحمته التي وسعت كل شيء «الرحيم» بما أوجب على نفسه للتائبين من عباده ، فقدم سبحانه في كتابه العزيز (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) في كل سورة ، إذا كانت السورة تحتوي على أمور مخوفة ، تطلب أسماء العظمة والاقتدار ، فقدم أسماء الرحمة تأنيسا وبشرى ، فإنه تعالى القائل (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) لهذا ليس في البسملة شيء من أسماء القهر ظاهرا ، بل هو الله الرحمن الرحيم وإن كان يتضمن الاسم «الله» القهر ، فكذلك يتضمن الرحمة ، فما فيه من أسماء الغلبة والقهر والشدة ، يقابله بما فيه من الرحمة والمغفرة والعفو والصفح ، وزنا بوزن في الاسم «الله» من البسملة ، ويبقى لنا فضل زايد على ما قابلنا به الأسماء في الاسم «الله» وهو قوله (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فأظهر عين «الرحمن» وعين «الرحيم» خارجا زائدا على ما في الاسم الله الجامع من البسملة ، فرجح ، فكأن الله عرفنا بما يحكمه في خلقه ، وأن الرحمة بما هي في الاسم الله الجامع من البسملة ، هي رحمته بالبواطن ، وبما هي ظاهرة في (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) هي رحمته بالظواهر ، فعمت ، فعظم الرجاء للجميع ، وما من سورة من سور القرآن إلا والبسملة في أولها ، فأولناها أنها إعلام من الله بالمآل إلى الرحمة ، فإنه جعلها ثلاثة : الرحمة المبطونة في الاسم «الله» و «الرحمن» و «الرحيم» ولم يجعل للقهر سوى المبطون في الاسم «الله» فلا عين له موجودة في الظاهر. واعلم أن اختصاص البسملة في أول كل سورة ، تتويج الرحمة الإلهية في منشور تلك السورة ، أنها تنال كل مذكور فيها ، فإنها للسورة كالنية
____________________________________
سورة الفاتحة
الترجمة عن فاتحة الكتاب
(١) (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) البسملة عندي آية من القرآن حيث ما وقعت منه إذا تكررت للفصل بين السور ، فقد تكررت قصة آدم وموسى وغيرهما وذكر الأنبياء في مواضع كثيرة من القرآن ، ولم يقل أحد أن ذلك ليس من القرآن ، وإن أسقطت في بعض الروايات كقراءة حمزة