صَدْراً) أي : فتح صدره للكفر (١) بالقبول واختاره ، (فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ). وأجمع العلماء على أن من أكره على كلمة الكفر ، يجوز له أن يقول بلسانه ، وإذا قال بلسانه غير معتقد لا يكون كفرا وإن أبى أن يقوله (٢) حتى يقتل كان أفضل. واختلف أهل العلم في طلاق المكره فذهب أكثرهم إلى (٣) أنه لا يقع.
(ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا) ، آثروا ، (الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) ، لا يرشدهم.
(أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) ، (١٠٨) عمّا يراد بهم.
(لا جَرَمَ) ، [أي حقا](٤) (أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ) ، أي المغبونون.
(ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٠) يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١١١) وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (١١٢))
(ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا) ، عذبوا ومنعوا من الإسلام فتنهم المشركون ، (ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا) على الإيمان والهجرة والجهاد ، (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها) ، من بعد تلك الفتنة والغفلة (لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) ، نزلت في عياش بن أبي ربيعة أخي أبي جهل من الرضاعة ، وأبي جندل بن سهيل بن عمرو والوليد بن الوليد بن المغيرة وسلمة بن هشام وعبد الله بن أبي (٥) أسيد الثقفي فتنهم المشركون فأعطوهم بعض ما أرادوا ليسلموا من شرهم ثم إنهم هاجروا بعد ذلك وجاهدوا.
[١٢٧٤] وقال الحسن وعكرمة : نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح وكان يكتب للنبي صلىاللهعليهوسلم فاستنزله الشيطان فلحق بالكفار فأمر النبي صلىاللهعليهوسلم يوم فتح مكة بقتله فاستجاره عثمان وكان أخاه لأمه من الرضاعة فأجاره رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم إنه أسلم وحسن إسلامه فأنزل الله هذه الآية.
وقرأ ابن عامر (فُتِنُوا) بفتح الفاء والتاء ، ورده إلى من أسلم من المشركين فتنوا المسلمين.
(يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ) ، تخاصم وتحتج ، (عَنْ نَفْسِها) ، بما أسلفت من خير وشر مشتغلا بها لا تتفرغ إلى غيرها ، (وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ). روي أن عمر بن الخطاب قال لكعب الأحبار : خوفنا ، قال : يا أمير المؤمنين والذي نفسي بيده لو وافيت يوم القيامة بمثل عمل سبعين نبيا لأتت عليك تارات (٦) وأنت لا تهمك إلا نفسك ، وإن لجهنم زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي
__________________
[١٢٧٤] ـ أخرجه الطبري ٢١٩٥٥ عن عكرمة والحسن مرسلا ، وهو ضعيف بذكر نزول الآية فيه ، وأما استشفاع عثمان له وإعلان إسلامه فصحيح ، وسيأتي.
(١) في المطبوع «بالكفر».
(٢) في المطبوع «يقول».
(٣) تصحف في المطبوع «إلّا».
(٤) زيد في المطبوع.
(٥) زيد لفظ «أبي» في المطبوع.
(٦) في المطبوع «ساعات».