[مرسل](١) منتخب إلا وقع جاثيا على ركبتيه حتى إبراهيم خليل الرحمن ، يقول : يا رب لا أسألك إلّا نفسي ، وإن تصديق ذلك الذي أنزله الله عليكم (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها) ، وروى عكرمة عن ابن عباس في هذه الآية قال : ما تزال الخصومة بين الناس يوم القيامة ، حتى تخاصم الروح الجسد فتقول الروح يا رب لم يكن لي يد أبطش بها ولا رجل أمشي بها ولا أعين أبصر بها ، فنجني وعذبه ، ويقول الجسد يا رب [حيث كنت معدوم الروح](٢) لم تبطش يدي ولم تمش رجلي ولم تبصر عيني ، فجاء هذا كشعاع النور ، فبه نطق لساني وأبصرت عيني وبطشت يدي ومشت رجلي ، قال : فيضرب الله لهما مثلا [فقال وإنما مثلكما مثل](٣) أعمى ومقعد دخلا حائطا فيه ثمار فالأعمى لا يبصر الثمر ، والمقعد يرى ولا يناله ، فحمل الأعمى المقعد فأصابا من الثمر فعليهما العذاب.
قوله تعالى : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً) ، يعني : مكة كانت آمنة لا يهاج أهلها ولا يغار عليها ، (مُطْمَئِنَّةً) ، قارّة بأهلها لا يحتاجون إلى الانتقال للانتجاع كما يحتاج إليه سائر العرب ، (يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ) ، يحمل إليها من البر والبحر نظيره : (يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ) [القصص : ٥٧]. (فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ) ، جمع النعمة ، وقيل : جمع نعماء مثل بأساء وأبؤس ، (فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ) ، ابتلاهم الله بالجوع سبع سنين وقطعت العرب عنهم الميرة بأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى جهدوا وأكلوا العظام المحرّقة ، والجيف والكلاب الميتة ، والعهن وهو الوبر يعالج بالدم ، حتى كان أحدهم ينظر إلى السماء فيرى شبه الدخان (٤) من الجوع ، ثم إن رؤساء مكة كلّموا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقالوا : ما هذا؟ هبك عاديت الرجال فما بال النساء والصبيان؟ فأذن رسول الله صلىاللهعليهوسلم للناس بحمل الطعام إليهم وهم بعد مشركون (٥) ، وذكر اللباس لأن ما أصابهم من الهزال والشحوب وتغير ظاهرهم عما كانوا عليه من قبل كاللباس لهم ، (وَالْخَوْفِ) ، يعني : بعوث النبي صلىاللهعليهوسلم وسراياه التي كانت تطيف بهم. (بِما كانُوا يَصْنَعُونَ).
(وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ (١١٣) فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١١٤) إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٥) وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (١١٦) مَتاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١١٧))
(وَلَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ) ، محمد صلىاللهعليهوسلم ، (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ).
(فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (١١٤).
(إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ
__________________
(١) سقط من المخطوط.
(٢) ما بين الحاصرتين في المطبوع و ـ ط «خلقتني كالخشب».
(٣) زيد في المطبوع وحده.
(٤) في المطبوع «دخان».
(٥) هذا الخبر يأتي في سورة الدخان.