يعرف في شريعة ولا سنة ، (وَالْبَغْيِ) ، الكبر والظلم. وقال ابن عيينة : العدل استواء السريرة (١) والعلانية ، والإحسان أن تكون سريرته أحسن من علانيته ، والفحشاء والمنكر أن تكون علانيته أحسن من سريرته ، (يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ، لعلكم تتعظون. قال ابن مسعود (٢) : أجمع آية في القرآن هذه الآية.
[١٢٦٤] وقال أيوب عن عكرمة : إن النبي صلىاللهعليهوسلم قرأ على الوليد : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) إلى آخر الآية فقال له : يا ابن أخي أعد فعاد عليه ، فقال : إن له والله لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق ، وما هو بقول البشر.
(وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٩١) وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٩٢) وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٣))
قوله تعالى : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ) ، والعهد هاهنا هو اليمين ، قال الشعبي : العهد يمين وكفارته كفارة اليمين ، (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها) ، تشديدها فتحنثوا فيها ، (وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً) ، شهيدا بالوفاء ، (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) ، واختلفوا فيمن نزلت هذه الآية وإن كان حكمها عاما ، قيل نزلت في الذين بايعوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أمرهم الله بالوفاء بها. وقال مجاهد وقتادة : نزلت في حلف أهل الجاهلية ثم ضرب الله مثلا لنقض العهد. فقال : (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ) ، أي : من بعد غزله وإحكامه. قال الكلبي ومقاتل : هي امرأة خرقاء حمقاء من قريش يقال لها : ريطة بنت عمرو بن سعد بن كعب (٣) بن زيد مناة بن تميم ، وتلقب بجعر وكانت بها وسوسة ، وكانت اتخذت مغزلا بقدر ذراع وصنارة مثل الأصبع ، وفلكة عظيمة على قدرها وكانت تغزل الغزل من الصوف والشعر والوبر ، وتأمر جواريها بذلك فكن يغزلن من الغداة إلى نصف النهار ، فإذا انتصف النهار أمرتهن بنقض جميع ما غزلن فهذا كان دأبها (٤) ، ومعناه أنها لم تكف عن العمل ولا حين عملت كفت عن النقض ، فكذلك أنتم إذا نقضتم العهد لا كففتم عن العهد ، ولا حين عاهدتم وفيتم به ، (أَنْكاثاً) ، يعني أنقاضا واحدها (٥) نكث وهو ما نقض بعد الفتل غزلا كان أو حبلا. (تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ) ، أي : دخلا وخيانة وخديعة ، والدخل ما يدخل في الشيء للفساد ، وقيل : الدخل والدغل أن يظهر الوفاء ويبطن النقض. (أَنْ تَكُونَ) أي : لأن تكون ، (أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى) ، أي : أكثر وأعلى ، (مِنْ أُمَّةٍ) قال مجاهد : وذلك أنهم كانوا يحالفون الحلفاء فإذا وجدوا قوما أكثر منهم وأعز نقضوا حلف هؤلاء وحالفوا الأكثر ، فمعناه طلبتم العز بنقض العهد بأن كانت أمة أكثر من أمة فنهاهم الله عن ذلك. (إِنَّما
__________________
[١٢٦٤] ـ لم أجد من أسنده عن أيوب ، وهو مرسل ، ولم يذكره غير المصنف عند هذه الآية ، وكلام الوليد هذا مشهور في كتب السيرة بدون ذكر هذه الآية ، وسيأتي.
(١) في المطبوع «السر» والمثبت عن المخطوط والطبري ٢١٨٦٧.
(٢) زيادة عن المخطوط تصحف في المخطوط «عباس».
(٣) في المطبوع «كليب».
(٤) في المطبوع «رأيها».
(٥) في المطبوع «واحدتهما».