ثم يقول الله : (فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً) ، بالشفاعة ، (وَلا ضَرًّا) بالعذاب ، يريد أنهم عاجزون لا نفع عندهم ولا ضر ، (وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ).
(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا) ، يعنون محمدا صلىاللهعليهوسلم ، (إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً) ، يعنون القرآن ، (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) ، أي بيّن.
(وَما آتَيْناهُمْ) ، يعني هؤلاء المشركين ، (مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها) ، يقرءونها ، (وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) ، أي لم يأت العرب قبلك نبي ولا نزل عليهم كتاب.
(وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٤٥) قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (٤٦) قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٤٧) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (٤٨) قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ (٤٩))
(وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ، من الأمم رسلنا وهم عاد وثمود وقوم إبراهيم وقوم لوط وغيرهم ، (وَما بَلَغُوا) ، يعني هؤلاء المشركين ، (مِعْشارَ) ، أي عشر ، (وَما آتَيْناهُمْ) ، أي أعطينا الأمم الخالية من القوة والنعمة وطول العمر ، (فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) ، أي إنكاري وتغييري عليهم ، يحذّر كفار هذه الأمة عذاب الأمم الماضية.
(قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ) ، أي بخصلة واحدة ، ثم بيّن تلك الخصلة فقال : (أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ) ، أي لأجل الله ، (مَثْنى) ، أي اثنين اثنين ، (وَفُرادى) ، أي واحدا واحدا ، (ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا) ، جميعا أي تجتمعون فتنظرون وتتحاورون وتنفردون ، فتفكرون في حال محمد صلىاللهعليهوسلم فتعلموا ، (ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ) ، أي جنون ، وليس المراد من القيام القيام الذي هو ضد الجلوس وإنما هو قيامه بالأمر الذي هو في طلب الحق ، كقوله : (وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ) [النساء : ١٢٧]. (إِنْ هُوَ) ، ما هو ، (إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ) ، قال مقاتل : تم الكلام عند قوله (ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا) ، أي في خلق السموات والأرض فتعلموا أن خالقها واحد لا شريك له ثم ابتدأ فقال ما بصاحبكم من جنة.
(قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ) ، على تبليغ الرسالة ، (مِنْ أَجْرٍ) ، جعل (فَهُوَ لَكُمْ) ، يقول : قل لا أسألكم على تبليغ الرسالة أجرا فتتهموني (١) ، ومعنى قوله : (فَهُوَ لَكُمْ) أي لم أسألكم شيئا كقول القائل : ما لي من هذا فقد وهبته لك يريد ليس لي فيه شيء ، (إِنْ أَجْرِيَ) ، ما ثوابي ، (إِلَّا عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ).
(قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِ) ، والقذف الرمي بالسهم والحصى ، والكلام ، ومعناه يأتي (٢) بالحق وبالوحي ينزله من السماء فيقذفه إلى الأنبياء ، (عَلَّامُ الْغُيُوبِ) ، رفع بخبر أن أي وهو علام الغيوب.
(قُلْ جاءَ الْحَقُ) ، يعني القرآن والإسلام ، (وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ) ، أي ذهب الباطل وزهق فلم يبق منه بقية يبدئ شيئا أو يعيد ، كما قال تعالى (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ) [الأنبياء : ١٨] ، وقال :
__________________
(١) في المطبوع «فتفهموني».
(٢) في المطبوع «أتى».